٢١‏/٠٩‏/٢٠٠٨

ثلاثة باحثين إسرائيليين شاركوا في مؤتمر الدراسات القبطية ومصادر الكنيسة تتهم المنظمين بمخالفة تعاليم البابا

كتب صموئيل سويحة (المصريون):
كشفت مصادر مقربة من المقر البابوي، أن ثلاثة باحثين إسرائيليين شاركوا في جلسات مؤتمر الدراسات القبطية التاسع الذي انتهت أعماله أمس الأول، دون أن يقوموا بعرض أبحاثهم العلمية.
والباحثون الثلاثة، هم: إيتان جروسمان، والبروفيسور آرييل شيشا هالفى، وأوفر ليفن كافرى من الجامعة العبرية، واعتبرت المصادر مشاركتهم مخالفة لتنفيذ تعليمات البابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس.
وكانت الكاتدرائية المرقسية بالعباسية استضافت المؤتمر التاسع خلال الفترة من 14 إلى 20 سبتمبر 2008، وعرض خلالها 152 باحثًا وأستاذًا في مجال القبطيات أوراقهم البحثية في مختلف فروع هذا العلم.
وقام أعضاء "icas" (الجمعية الدولية للدراسات القبطية) في نهاية المؤتمر بالتصويت على المناصب واختيار البلد التي ستقوم باستضافة المؤتمر المقبل.
وحضر المؤتمر باحثون من مختلف الجنسيات، كما ضم عددًا كبيرًا من الباحثين منهم الباحث سمير خليل سمير من بيروت، ومجموعة من الأساتذة والباحثين المصريين والفرنسيين والأمريكيين والإيطاليين والألمان والإنجليز، ماعدا الإسرائيليين.
ونظمت الجمعية الدولية للدراسات القبطية، المؤتمر برئاسة ثيوفريد باوميستر. وهذه المرة الثانية فقد أقيم للمرة الأولى بالقاهرة عام 1976، وينعقد هذا المؤتمر كل أربع سنوات في إحدى الدول حسب الاتفاق.
وكانت الكنيسة الأرثوذكسية قد دعت الجمعية الدولية لتنظيم المؤتمر في القاهرة هذا العام، وحملت جلسات المؤتمر مشاكل بعض الأديرة المصرية، والحلول الخاصة بها.
وحضر المؤتمر كما جاء في أوراق التسجيل 250 من العلماء المصريين و الأجانب المتخصصين والمهتمين بالدراسات القبطية والتاريخ القبطي وبحضارة مصر القبطية.
وتناولت المحاضرات والأبحاث والأوراق في المؤتمر عددا كبيرا من المحاور المتعلقة بالحقبة القبطية مثل الأديرة القبطية وتاريخها، الكتابات القبطية الأولى، التحول من اللغة القبطية إلى اللغة العربية، المسيحية في العصور الوسطى في مصر، الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، الأناجيل المكتوبة باللغة القبطية، المنسوجات القبطية، الحفريات للآثار القبطية.
وأكد مجدي خليل مدير منتدى الشرق الأوسط للحريات أهمية الدراسات القبطية التي تم عرضها على المؤتمر، متمثلة في اكتشافات أو تفسيرات أو قراءة علمية جديدة للمخطوطات القبطية.
وأشار إلى أن أهمية المؤتمر ترجع إلى معرفة الآراء بهذه الدراسات بعين علماء أجانب لا يشغلهم سوى البحث عن الحقائق التاريخية والقراءة العلمية للحضارات القديمة، بما في ذلك الاستماع للنقد الموجه للأقباط أنفسهم بالمسئولية عن ضياع حضارتهم واضمحلال لغتهم وخضوعهم للاضطهادات والضغوط المختلفة التي أدت إلى اضمحلال لغتهم وتخندقها داخل الكنائس.

هناك ١١ تعليقًا:

غير معرف يقول...

الطرق التي تكون بها شبهات النصارى .

بعد طول استماع لشبهات النصارى التي يتكلمون بها بألسنتهم في البالتوك أو الفضائيات أو في التسجيلات المنتشرة على الشبكة العنكبوتية ، يمكنني أن أقول : أن شبهات النصارى تتكون بثلاثِ طرقٍ رئيسية وباقي الطرق فرعٌ على هذه الثلاث :

?الطريقةُ الأولى : الكذبُ الصريحُ .
?الثانية : بتر النص من سياقه العام ـ القولي أو الفعلي ـ ثم استخدامُ مقدماتٍ عقليةٍ أو عرفيةٍ لتفسيره .
?الثالثة : اعتمادُ الضعيفِ والشاذِ وما لا يصح من الحديثِ وأقوالِ العلماءِ ، وتصديرُه للناس على أنه حديثُ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقوالُ علماءِ المسلمين .

هذه هي الطرق الرئيسية التي تتكون بها شبهات النصارى . وبقليل من التمعن .نجد أن الطريقةَ الثانيةَ والثالثةَ ترجع للأولى ... وهي الكذب الصريح . إذ أن بترَ النص من سياقه العام ـ القولي أو الفعلي ـ ثم استخدام مقدماتٍ عقليةٍ أو عرفيةٍ لتفسيره نوع من الكذب . وكذا اعتمادُ الضعيفِ والشاذِ وما لا يصح من الحديثِ وأقوالِ العلماءِ ، وتصديرُه للناس على أنه حديثُ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقوالُ علماءِ المسلمين نوع من الكذب أيضا .
فيمكننا أن نقول في جملة واحدة أن شبهات النصارى تتكون بالكذب . هذا هو طريقها . . الكذب المباشر أو الكذب غير مباشر . وهاك البيان .

?أولا : الكذب الصريح .
وأضرب الأمثال ليتضح المقال ، :

ـ وقَفَتْ إحداهنَّ تتكلمُ بصوتٍ تخنقه العبارات ، تحدث إخوانها عن محمدٍ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتقول : إن محمدا ـ وصلى الله على محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلَم ـ كان يتمنى أن يؤمنَ بعقيدةِ التثليث وكان يصرخُ بأعلى صوته ويقول : ((قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) (الزخرف : 81 ) ولكنه ـ هي تقول ـ للأسف لم يجد من يقنعَه بعقيدة التثليث ولو وجد لآمن من فوره وانتهت المشكلة .!! هذا قولها .
ماذا تريدُ هذه المرأة ؟
تريد أن تقولَ لقومها أن سبب كفرِ رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنصرانية هو أنه لم يجدْ من يُحَدِثه بها . !!وأنه كان يجهلُ هذا الأمر ، ولو عرفه لآمن به من فوره . إذًا المشكلة ليست عدم قناعة بالنصرانية ولكن جهلٌ بها .

وهي تكذب . ولا شك في هذا . تكذبُ وهي تعلم أنها تكذب . فذاتُ الآيات التي نقلت منها تتكلمُ عن المسيح عيسى بنِ مريمَ عليه السلام وتقررُ أنه عبدُ الله ورسوله بأسلوبٍ صريحٍ لا لبس فيها ولا غموض ، وبأقوى أدوات الحصر ( النفي والاستثناء ) . ( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) (الزخرف : 59 ) .

وأيضا معلومٌ عند كلِّ قساوسة النصارى بل وعامتِهم أن القرآن الكريم نفى أن يكون لله صاحبةً وولدا ، هذا كلام مشهورٌ يعرفه العامة فضلا عن الخاصة ، فكيف يقال أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يجهله.

وأيضا : مشهورٌ جدا عند قساوستهم وعامةِ المهتمين منهم أن وفدا من نصارى نجران جاؤوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وناظروه وناظرهم وأبهتهم . ونصارى نجران تكلموا بألوهية المسيح عليه السلام ، واحتجوا بمثل ما يحتج به نصارى اليوم . وهم ـ نصارى اليوم ـ يستدلون ببعض الآيات التي نزلت في نصارى نجران في بعض شبهاتهم . فكيف يقال أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يجهل النصرانية ولم يجد من يحدثه عنها .

وأيضا : مشهور ومعلوم جدا أن في القرآن الكريم سورة باسم آل عمران ، ومنهم ـ من آل عمران ـ مريمُ ابنةُ عمران أم المسيح عليه السلام .
وفي سورة آل عمران آيات طوال تتكلم عن المسيح عليه السلام .. عن مولده وعن معجزاته وعن تكذيب بني إسرائيل له. وعن خطأ من اتبعوه ، وقالوا أنه إله من دون الله ، أو إله مع الله ، أو أنه هو الله .
فإذاً لا يمكن أن يقال إلا أن هذه المرأة تكذب وهي تعلم أنها تكذب . فقط لتضل قومها . وقد حاول أحدُ الحضور الرد عليها ولكنها لم تسمع . لماذا ؟
لأنها لا تريد الحقَ ابتداء وإنما فقط تكذب لتضلَّ قومها .

? مثال آخر أبين به أن أحدى الطرق الرئيسية التي تتكون بها شبهات النصارى هي الكذب المباشر .
ناهد متولي تدعي أنها كانت مسلمةً ، وأنها كانت تحفظُ القرآن ، وتقيمُ الليل ، وبلغت في الإسلام أعلى الدرجاتِ الروحانية . واسمع ماذا تقول لتعلم أي كذوب هي .
وقفت في إحدى المناظرات تقول : أنا استدل بما ورد في ابن كثير والقرطبي والطبري وكذا وكذا .... ولم أذهب لمصحف مسيلمة وأنقلُ منه ، ولو ذهبت إليه ونقلت منه لرأيتم عجبا عجابا . قرآن مسيلمة ـ الكلام لها ـ وما أدراك ما قرآن مسيلمة ؟! يدحض كلَّ ما جاء به محمدٌ ـ وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ـ . !!
هذا قولها وهو موجود بصوتها .( في صفحة ردود صوتية على شبهات النصارى بموقع طريق الإسلام ) . وأسألكم بالله : هل سمعتم أن لمسيلمة مصحفا أو قرآنا يتلى ؟!
وإنّ كلَّ من قرأ عن الإسلام ساعة يعلم أنها كذوب .فمسيلمةُ كذابٌ من يوم كان ، ولم تكن له دعوةٌ ولا أتباعٌ بالمعنى المعروف ، وإنما خرج في قبيلته ( بني حنيفة ) وتعصبوا له حميةً ، حتى قال قائلهم ذاتَ مرة وهو يخاطب مسيلمة هذا في وجه ، قال له : أعلم أنك كذاب وأن محمدا صادقٌ ولكن كذابُ ربيعة أحب إلينا من صادق مضر .
والسؤال : هل أمسكت هذه المرأة بمصحفٍ لمسيلمةَ في يدها ؟
أبدا . وإن كان فأين هو ؟ . لم نسمع به من قبل ، ولم تراه عين .
فهي تكذب ، وهي عند نفسها كاذبة . تكذب وهي تعلم أنها تكذب . فقط لتضلَّ قومها .

ولا تحسب أنها صادقة في أنها استدلت بابن كثير والقرطبي والطبري ، بل كذبت في هذا أيضا ، فهي تبتر النص ، وتأتي بالضعيف والشاذ ومالا يصح وتقول هو قول العلماء ، وما هو بقول العلماء .وسيأتيك في هذا البحث ـ إن شاء الله ـ مزيد بيان.

?مثال رابع يبين كيف أنهم يكذبون كذبا صريحا فيما يتكلمون به .
ـ كبيرهم شنودة وقفَ ذاتَ مرةٍ يُغْمضُ عينيه ، ويعقدُ جبهتَه ، يكسوه قبحُ المعصية ، وقف يخاطب جموع قومه من السذج يقول لهم ـ والمحاضرة مسجلة متداولة ـ إن الإسلام يذم نوعا واحدا من النصارى ، وهم الذين قالوا بان لله ابنا ، ويتلوا عليهم الآيات التي تقول بهذا .مثل قول الله تعالى { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً . لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً . تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً . أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً . وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً } [ مريم : 92 ] .
أما نحن ـ هو يعني ومن على شاكلته من الأرثوذكس ـ بنص القرآن لسنا على خطأ، لأننا لا نقول بأن الله اتخذ صاحبة ولا ولدا . وإنما نقول بأن المسيح هو عين الله ، وتعالى ربنا وتقدس عما يقول شنودة ومن معه . والمسلمون يعادوننا لأنهم لا يعرفون دينهم . هكذا يتكلم .
أرئيتم كيف يكذب على قومه ؟!

القرآن يذم نوعين من النصارى من قالوا بأن لله صاحبة وولدا ، ومن قالوا بأن الله هو المسيح بن مريم . والقرآن صريح في ذلك ، قال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) (المائدة : 72 ). وكِلاهما قد ذم اللهُ في سورة واحدة في آيات متجاورة ، فكيف قرأ شنودة هذه ولم يقرأ تلك ؟؟!!
لا بد أنه قرأهما معا ، وتعمَدَ الكذب ليضل قومه .
لا بد أن من يقرأ هذه الآية يقرأ الأخرى معها . فهما متجاورتان . وذم كل النصرانية معلوم من الدين بالضرورة عند عامة المسلمين وعامة النصارى .
ومحاسبة القائل علي إمكانية علمه بالأمور والمسائل قاعدة ثابته عند كل العقلاء .. وهي ما يقال عنها عند الأصوليين قاعدة إمكانية العلم . والشاهد أن شنودة يكذب وهو يعلم أنه يكذب فقط ليضل قومه .

? مثال خامس على أنهم يتعمدون الكذب المباشر من أجل إضلال الناس :

منهم من راح يبحث في الإسلام عشرين عاما ـ إي والله وكنت أنا من يحاوره ـ وعاد ليقول أن الأمر كلَّه كذب ، فما كان محمدا ، وما وضَعَ القرآنَ إلا الأمويون ، وما حارب القرشيون إلا نكاية في الغسساسنة ورغبة في الاستيلاء على الشام ، وما استُعمل لفظُ المهاجرين إلا في القرن الثاني الهجري .
وأن عمر بن الخطاب سمي بالفاروق لأنه وحد العرب والفرس وقاتل بهم الروم ، فهو فرَّق بين الروم والعرب !!
انظروا إلى هذا الكذوب . إنه باحث . وإنه دكتور في ( الإسلاميات ) .!!

? حديثهم عن مصدر الوحي أمارة على كذبهم

يقولون أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعلم هذا القرآنَ من بحيرى الراهب ، هذا قول النصارى ، واليهود يقولون تعلمه من الحاخام ( ألفونسو ) من بني إسرائيل ، وبعض المستشرقين ممن يسمون باحثين في التراث الإسلامي يقولون بأن محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعلم القرآن من نساءه وأصحابه . ومن ثم خلط شيئا من النصرانية بشيء من اليهودية بشيء من الوثنية فخرج بالإسلام .

وهذا الكلام كذبٌ محض . كل واحدة من هذه الأقوال كذب في نفسها . وبعضها يكذب بعض .
النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التقى بحيرة الراهب وهو ابن سبعِ سنين ولفترةٍ قصيرةٍ جدا ، والحديث بينهما لم يستغرق دقائق معدودة ، وما جلس لورقة بن نوفل إلا دقائق معدودة أيضا وكانت بعد أن نزل عليه الوحي . هذا ما تقوله كل كتب السير والتاريخ الإسلامي . ليس هناك كتابٌ إسلاميٌ يقول بغير هذا الكلام . فكيف يكون قد تعلم كل هذا في لحظات ؟!

بل كيف تعلم أصلا وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب قال تعالى : {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }[ الشورى:52] { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }[ العنكبوت : 48] .
وإن كان تعلمه بلا قراءة ولا كتابه كيف سكت كل هذه المدة . ... حيث أنه لم يتكلم بالوحي إلا بعد أن تجاوز الأربعين من عمره ؟!

وأيضا في القرآن الكريم ذم للنصارى والنصرانية واليهود واليهودية . فمَن كتب هذا بحيرة أم ألفونسو ؟!

? طبيعة القرآن الكريم والسنة النبوية تنفي أن يكون ورائها بشر ، حتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .. ما هية القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد أنها وحي من الله العليم الخبير ، وعلى سبيل المثال نقول : في القرآن الكريم والسنة النبوية إجاباتٌ عن أشياءٍ كانت تحدث ، ورصد لحوارات كانت بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه وبينه وبين أعدائه ، بل إن القرآنَ الكريم كلَّه مرتبط بالحدث ، مثلا ما نزل في أسئلة المشركين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في مكة وإجابته عليها ، وما نزل في أمر الهجرة ، وما نزل في غزوة بدر ، وما نزل في غزوة أحد والأحزاب وخيبر والحديبية وفتح مكة وحنين . ويسعنا أن نقول أن القرآنَ الكريم كلُّه حتى التشريعي منه مرتبط بالحدث ، لم ينزل القرآنُ الكريم جملة واحدة ، بمعنى أن القرآن الكريم كان مع الأحداث ونزل جزءا جزءا . { وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً }[ الإسراء : 106] .

إمرأةٌ تجادل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمر حدث بينها وبين زوجها .. تجادله سرا لا يسمعها من في البيت ، وينزل القرآن { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ . الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [ المجادلة : 1 ـ 2 ] .
أين بحيرى من هذه ؟

سريّة تذهب في وديان الحجازي ويحدث القتال في ليلة يُشك أنها من الشهر الحرام ، ويرجعون يتساءلون ، فينزل القرآن { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ البقرة : 217 ]
أين بحيرى من هذا ؟!

والمنافقون يجلسون في ناحية من المسجد يغمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فينزل القرآن يتحدث بحالهم وما تكنه صدورهم . { الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[ التوبة :79 ]
أين بحيرى من هذا ؟!

والمنافقون يتناجون سرا " يعدنا فتح فارس والروم وقد حصرنا ها هنا ، حتى ما يستطيع أحدنا أن يبرز لحاجته ؛ ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا "فينزل القرآن يكشف أمرهم ويزيع في الناس سرّهم وسوء طويتهم . {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً }[ الأحزاب : 12]
أين بحيرى من هذا ؟

وتضيع ناقة النبي فيرسل في طلبها ... يوم تبوك ... ويتغامز المنافقون : ( هذا محمد يخبركم أنه نبي ، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته ) ، يتحدث بها سرا في رحله ، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقول اليهودي وبمكان الناقة : ( إن رجلا يقول وذكر مقالته وإني والله لا أعلم إلا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في الوادي في شعب كذا وكذا وقد حبستها شجرة بزمامها فانطلقوا حتى تأتوني بها فذهبوا فأتوه بها ) .
أين بحيرى من هذا ؟!

عمير بن وهب الجمحي يجلس مع صفوان بن أمية في ناحية المسجد الحرام في مكة على بعد خمس مئة كيلو متر تقريبا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتناجيان سرا ، ويتفقان على قتل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ، ويعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، ويُعلم عمير بن وهب
أين بحيرى والفونسو ومن سموا أين هم مِن هذا ؟!

?وأحيانا كان يُسأل النبيَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلا يجيب ومن ذلك {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً }[ الإسراء : 85 ]، يسكت حتى يأتيه الوحي . وأحيانا كان يفعل ويأتي الوحي يعقب عليه ويصوب له . ومن ذلك {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً } [ الكهف : من الآية 23] ، سألوه عن أصحاب الكهف فقال أجيبكم غدا ، فأبطئ عليه الوحي خمسة عشر يوما يؤدبه ويرشده للاستثناء ثانية إن قال ووعد .

ومثال ذلك ما حدث مع الأسرى يوم بدر ، استشار النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه ، فقال بعضهم بقتلهم وتكلم آخرون بالفداء بالمال ، وأخذ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأرفق الأمرين وهو الفداء ، ونزل القرآن يعاتبه " ( ) : { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{68} فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيِّباً وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ الأنفال : 68 ـ 69 ] .
فهل يُعقل أن يكون بحيرى الراهب درى بذلك ورتبه وأعطاه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟
وإن كان فلم كان يسكت حين يسأل ولم كان يفعل ويأتيه التصويب من السماء ؟
بل لِمَ لَمْ يكن بحيرة نفسَه أو ورقةَ أو الفونسو أو من سمّوا من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو نساءه لم لم يكونوا أنبياء ويتكلمون هم بأنفسهم ؟!.
وكيف عرفتم ذلك وهو ليس في كتبنا . من أين لكم هذا ؟
لم ينتبه إليه كفار قريش واليهود والنصارى ... نصارى نجران والشام وطيء ( حي من أحياء العرب منهم عدي بن حاتم الطائي وقد التقى النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم ) .كيف لم ينتبهوا إلى هذا وانتبهتم أنتم إليه ؟

? ثم : النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ تزوج السيدة صفية بنت حيي بن أخطب سيد يهود في العام السابع من الهجرة ... في نهايته . أي بعد عشرين عاما من الدعوة . وجاءته ماريةُ القبطية ـ رضي الله عنها ـ أيضا بعد عشرين عاما من الدعوة . فكيف يكون قد تعلم من هذه وتلك ؟
أمر عجيب .

?ومَن من أصحاب النبي كان له علم بالكتاب ؟
يقولون تعلم من صهيب الرومي . ومن سلمان الفارسي . وعبد الله بن سلام اليهودي .
وصهيبٌ رومي . . أعجمي .. لا ينطق العربية .. . بالكاد يُبين . فأنى له بمثل هذا ؟
وسلمانٌ فارسي أعجمي أسلم في المدينة ... وما درى برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بعد ثلاثة عشر عاما من هجرته صلى الله عليه وسلم . وكذا عبد الله بن سلام اليهودي أسلم في المدينة بعد البعثة بثلاثة عشر عاما ، وكان تابعا للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متعلما لا مُعلما

غير معرف يقول...

وهم يستأنسون بأن القرآن وافق النصرانية واليهودية أو وافق كتابهم بعهديه القديم والحديث في بعض الأمور .
وفي هذا يكذبون أيضا ، فحتى الأشياء التي وافقت فيها الشريعة الإسلامية كتاب النصارى في عهده القديم أو الجديد ، لم توافقها من حيث المضمون .
مثلا القرآن العظيم تكلم عن نوحٍ إبراهيمَ وموسى وعيسى وسليمان وداودَ ولوطٍ عليهم وعلى نبينا صلوات ربي وتسليماته .ولكن هل ما تلكم به القرآن عن أنبياء الله هو هو الذي تكلمت به النصرانية عنهم ؟
كلام القرآن عن الله سبحانه وتعالى الكبير المتعال ، الواحد الماجد الصمد ، هو ككلام كتاب النصارى عن الله ؟
أبدا .
ففي كتابهم النبي يُشرك بالله ، وفي كتابهم النبي يتطاول على ربه ويصارعه ويكاد يصرعه ، وفي كتابهم النبي يمشي بين الناس عريانا لثلاث سنين متتاليات بأمر الرب ، وفي كتابهم الأنبياء ينتحرون ويكذبون ويزنون ببناتهم . !!

وفي كتابهم الربُّ يخطئ ويصحح له البشر ، وفي كتابهم الرب ينزل ضيفا ويأكل الزبد ويشرب اللبن ، وفي كتابهم الرب يصارع يعقوب ـ عليه السلام ـ وبالكاد يتغلب على يعقوب . والرب يتعب ويرتاح ، ويغار من الإنسان ، ويأمر أنبياءه بالزنا وقتل النساء والأطفال . وغير ذلك مما يُستحى من ذكره .
فأين هذا من ذاك ؟!

? ثم إن القرآن العظيم معجز في ذاته وبألفاظه ينادي على الجميع من يوم نزل : فأتوا بمثله ... فأتوا بعشر سور من مثله . . . فأتوا بسورة من مثله ... أي سورة وإن كانت سطرا واحدا . وقد مضى ألفٌ وأربع مئة عام ولم يستطع أحد شيئا .


? المقصود من كل هذا ... هو إلقاء الضوء على أن من تكلم بهذا الكلام إنما تكلم به من أم رأسه . ليس برأسه سوى أنه يريد أن يضل الناس بغير حق ، فكذب وافترى وقال ما لم ير .
وصدق الله العظيم إذ يقول : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }[ آل عمران : 71] ، { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ } [ آل عمران : 70 ]، { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }[ آل عمران : 98]

? مزيد بيان :
مَن تكلموا في مصدر الوحي قالوا بعدةِ أمور:
ـ منهم من قال أنه تعلم من أصحابه صهيبِ الرومي ، وسلمانِ الفارسي ، وعبدِ الله بن سلام اليهودي ، وزوجتِه صفيةَ بنت حيي ، وسريتِه ماريةَ القبطية . ومنهم من قال بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كانت به جِنّة ... حالةٌ من الصرع تصيبه ، ويتلبسه شيطانٌ فيوحي إليه بهذا القرآن . ويستدل على هذا الكلام بما كان يصيبُ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أثناء تلقي الوحي . من ثقلٍ وعرقٍ ونحو ذلك .

ومعلوم أن ما كان يصيبُ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لم يكن يشبهُ صرعَ المجنونِ لا بكثيرٍ ولا بقليل . وإنما ثقلٌ ونوعٌ من السكونِ والهمودِ ويتصبب الجبينُ حين ذاك عرقا .
والمجنونُ . . أو من تأتيه نوبات الصرع ، يستلقي على الأرض ويتشنج وربما عض لسانَه وانكشفت سوءتُه ، وغاب عن وعيه . فأين هذا من ذاك ؟!

? وأيضا لم يكن الوحيُ يأتي النبيَ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ على هذه الحالة فقط ( السكون والهمود التي يصحبها تصبب العرقُ من الجبين ) بل كان أيضا يأتيه على أشكالٍ أخرى .

إحداها: الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح , من ذلك حديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْوَحْي الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ. ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلَاءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ ...... الحديث " .

الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ".

الثالثة: أنه كان يتمثل له ـ صلى الله عليه وسلم ـ الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا كما في حديث عمر ـ رضي الله عنه (( بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ .... الحديث )) وفي آخره (( أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ )) .


الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس فيفصم عنه وقد وعى عنه ما قال وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها ولقد جاءه الوحي مرة كذلك وفخذه صلى الله عليه وسلم على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها.

الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له صلى الله عليه وسلم مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم.
قال الله تعالى :"" إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَىَ * عَلّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىَ * ذُو مِرّةٍ فَاسْتَوَىَ * وَهُوَ بِالاُفُقِ الأعْلَىَ * ثُمّ دَنَا فَتَدَلّىَ * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىَ * فَأَوْحَىَ إِلَىَ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىَ * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىَ * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىَ مَا يَرَىَ * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىَ * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىَ "" [سورة: النجم - الآيات: 4ـ14]

السادسة: كلام الله تعالى له ـ صلى الله عليه وسلم ـ منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى ابن عمران وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء. انتهى كلام ابن القيم رحمه الله .

وأحيانا يكون الوحي في المنام من ذلك حديث معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ عند أحمد / 21093 وفيه (( احْتَبَسَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى كِدْنَا نَتَرَاءَى قَرْنَ الشَّمْسِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيعًا فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ وَصَلَّى وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ كَمَا أَنْتُمْ عَلَى مَصَافِّكُمْ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَيْنَا فَقَالَ إِنِّي سَأُحَدِّثُكُمْ مَا حَبَسَنِي عَنْكُمْ الْغَدَاةَ إِنِّي قُمْتُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ مَا قُدِّرَ لِي فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ لَا أَدْرِي يَا رَبِّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ لَا أَدْرِي رَبِّ فَرَأَيْتُهُ وَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ أَنَامِلِهِ بَيْنَ صَدْرِي فَتَجَلَّى لِي كُلُّ شَيْءٍ وَعَرَفْتُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى قُلْتُ فِي الْكَفَّارَاتِ قَالَ وَمَا الْكَفَّارَاتُ قُلْتُ نَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ وَجُلُوسٌ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْكَرِيهَاتِ قَالَ وَمَا الدَّرَجَاتُ قُلْتُ إِطْعَامُ الطَّعَامِ وَلِينُ الْكَلَامِ وَالصَّلَاةُ وَالنَّاسُ نِيَامٌ قَالَ سَلْ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي وَتَرْحَمَنِي وَإِذَا أَرَدْتَ فِتْنَةً فِي قَوْمٍ فَتَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ وَأَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَى حُبِّكَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا حَقٌّ فَادْرُسُوهَا وَتَعَلَّمُوهَا"

? ومنهم من يقول أن ما كان بمحمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو حالةٌ من الصفاءِ الذهني نتجت من كثرةِ الخلوةِ والبعدِ عن المعاصي ، وقد أتى بهذا القرآنِ وهذه العلوم من محض خياله .
ونسأل : هل يستطيعُ صفاءُ الذهن أن يأتيَ بأخبار الماضي ، والحاضر ، . . . أن يتكلم عن ما كان وما سيكون ؟!
أن ينبئ عَديً بأن الله سيتم هذا الأمر حتى يصير الراكب لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ، وأن الله سيفتح الشام واليمن والعراق وأن نفرا من أصحابه سيخروجون إليها ويدعون المدينة ، وأنه إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وأن عمار تقتله الفرقة الباغية ، وأن عمر وعثمان شهيدان ، وأن أصحابه يقتلون أمية بن خلف ونعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه وهو بالحبشة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة ونعى جعفرا وزيدا وابن رواحة حين قتلوا في مؤتة ( بالأردن حاليا ) وهو بالمدينة ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان يصف المعركة ، وأخبر من أنباء الماضي .. حكى عن مريم وعن موسى وعيسى وأهل مدين والمؤتفكات وقوم تبع وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط ، هذا وهو أمي لم يقرأ ولم يكتب ، ولم يخرج من بين شعاب مكة . وما حكاه عنهم لا يتوافق في قليل أو كثير مع حكايات كتب النصارى واليهود حتى يقال أنه أخذ منهم ومن شاء فليقرأ هذا وذاك ؟!
هل يستطيع صفاء الذهن أن يأتي بأمور علمية بحته ، لم يكتشفها العلم التجريبي إلا بعد مئات السنين من بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟!
مثل أن الإنسان خُلق من نطفة أمشاج { إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً }[ الإنسان : 2] ، وأن الجبال أوتاد {وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً }[ النبأ : 7 ]، وأن الأرض كفاتا { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتاً } [ المرسلات: 25 ]، وأنها دُحية { وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا }[ النازعات : 30 ] .وأن الأجرام في فَلك يسبحون { لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } [ يس:40] ، وأنها تتسع {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ }[ الذاريات : 47 ]( وإنا لموسعون ) ، وأن الليل أصلٌ والنهارَ طارئ يُسلخ منه {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ }[ يس : 37]؟!
لا يستطيع صفاء الذهن أن يأتي بأي من هذا .

إنها النبوة ، وحي الله العليم الخبير لرسوله الأمين محمدٍ بن عبد الله ـ عليه أتم الصلاة والتسليم ـ .
وصدق الله العظيم : " وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين "
القرآنُ يعقب بعد ذكر قصة موسى عليه السلام في سورة القصص ، بهذه الآية ( وما كنت ثاويا في أهل مدين تتلوا عليهم آياتنا .... )
و( ثاويا ) تعني مقيما ... الثواء هو الإقامة ...قال الشاعر :

آذانتنا ببينها أسماء * * * رب ثاو يمل منه الثواء ....

{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }[ آل عمران:44] ،{ ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ }[ يوسف :102]
فما كان محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقيما في مدين حتى يعلم خبر موسى ، وإنما أخبره العليم الخبير الذي أرسله لنا بشيرا ونذيرا ، وما كان محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ لديهم في بيت المقدس وهم يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وإنما أخبره العليم الخبير ، وما كان محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين إخوة يوسف وقد اسروا أمرهم وهم يمكرون بأخيهم يوسف عليه السلام كي يقتلوه أو يخرجوه ليخلوا لهم وجه أبيهم.... وإنما أخبره الذي أرسله إلينا بشيرا ونذيرا .
هو وحي الله إذن ، وما كان محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم يدري ما الكتاب ولا الإيمان .

? أريد أن أقول أن : هذه أقوال متضادة لا يمكن أن يقول بها فرد واحد . أليس كذلك ؟
من يعتقد بأن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان مجنونا . غير من يعتقد بأن الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ كان ذا خلوة وصفاءٍ ذهني ، غير من يعتقد انه تعلم من أصحابه . أليس كذلك ؟!
المفروض أن يكون الأمر كذلك .
ولكن تعجب حين تجد أن المتكلم بهذا الكلام فرد واحد ، أو أن فردا واحدا يتكلم بأكثرِ من واحدةٍ من هذه الحجج ، من هؤلاء مثلا المستشرق الألماني ( كارل بروكلمان ) المتوفي سنة 1956 م ، ومن هؤلاء زكريا بطرس اليوم في حلقة واحدة يقول أن الذي علم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو بحيرى الراهب وأن القرآن العظيم ترجم من وثيقه عثر عليها عند بعض الباحثين وتناولتها بالدارسة مائة وأربعين موقعا ويمسكها في يده ويتلوا منها ، وفي ذات الحلقة يقول أن هناك آخرين كانوا يعلموه وكان يتردد عليهم ، وفي حلقة أخرى في ذات الموضوع تكلم عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ووجد الدين جاهزا في حركة تسمى ( الحنيفية ) فقط استولى عليها وساس أمرها ثم نسب تعاليمها لنفسه ، وأنه يقلد أحد أفراد هذه الحركة تماما وهو أمية ابن أبي الصلت الذي علمته النصارى . وهذا يعكس لك أنها عقليةٌ فقط تبحثُ عن شيء تطفئ به نور الله ، تضلُ به قومها . وهذا ما أدور حوله في هذه الفقرة ، وهو أن الطريق الأول بل الطريق الرئيسي الذي تتكون منه شبهات النصارى هو الكذب المباشر . هو قلب الحقائق .
ـ ولذا أقول أننا لا نواجه شبهات حقيقية ، ولكن نواجه عقول مجرمة آثمة هي التي تفتعل الشبهات وتقلب الحقائق . وسيتضح هذا جليا حين نعرض لشبهاتهم التي يتكلم بها الكذاب اللئيم زكريا بطرس

غير معرف يقول...

?الطريقة الثانية من الطرق التي تتكون بها شبهات النصارى هي : بَتْرُ النص من سياقه العام ثم استخدام مقدماتٍ عقليةٍ أو عرفيةٍ لتفسيره .

مثال ذلك : ادعائهم أن القرآن ينطق بأن المسيح هو عين الله ـ تعالى ربنا وتقدس عما يقول الظالمون علوا كبيرا ـ ؛ يستدلون على ذلك بقول الله تعالى : ( ... وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ) (النساء : من الآية171 ) . يبترون النص هكذا .
يقولون كلمة الله وروح الله ، تعني أنه هو عين الله أو ابنه المتجسد على حسب مذهب من يتكلم منهم .
أرأيتم ؟!
بتروا النص ثم فسروه بما يحلوا لهم .

ونحن نقول : إن القرآن صريح في أن المسيحَ ـ عليه السلام ـ عبد الله ورسولُه ، فبالنفي والاستثناء ـ وهي أقوى أساليب الحصر والقصر ـ جاء التعبير عن عبودية المسيح لله عز وجل في أكثر من آية في كتاب الله تعالى ، قال الله : ( إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) (الزخرف : 59 )
وقال الله تعالى : (مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المائدة : 75 )
وعلى لسان المسيح جاء في القرآن الكريم : (إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (آل عمران : 51 ) (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (مريم : 36 ) (إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ) (الزخرف : 64 )
بل في نفس الآية التي يستدلون بجزء منها يقول الله تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ ) (النساء : من الآية 171 ) والآية التي بعدها صريحة في هذا المعنى أيضا ، قال الله تعالى : (لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيهِ جَمِيعاً) (النساء : 172 ) .
ـ وإضافة الصفة إلى الله على نوعين ، إن كانت هذه الصفة ذاتٌ منفصلةٌ لها استقلاليةٌ فيكون ( إضافتها إلى الله تتضمن كونها مخلوقه مملوكة لكن أُضيفت لنوع من الاختصاص المقتضي للإضافة . لا لكونها صفة ) أي من باب التشريف والرِّفعه مثل بيت الله الحرام ، وسيف الله خالد بن الوليد ، وأسد الله الحمزة بن عبد المطلب و ( ناقة الله ) ف ( روح الله ) و ( كلمة الله ) . لا تعني أبدا أنه جزء من الله .
والروح أو ( روح القدس ) عندنا هو جبريل عليه السلام . قال تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً) (النبأ : 38 ) وقال تعالى : (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ) (غافر : 15 ) وقال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) (الشعراء : 193 ) وقال تعالى : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) (النحل : 102 ) .
فالروح عندنا ملك من الملائكة هو ـ جبريل عليه السلام ـ وليس هو عين الله كما يزعمون هم .

فتدبر كيف يتعاملون مع النصوص الشرعية ليخرجوا منها بباطلهم . . . يبترون جزءا من النص ثم يفسروه بما يحلو لهم .

?ومن الأمثلة أيضا : قولهم : أن الإسلام دين عنصرية وظلم لا يعرف العدل مع الآخر ويستدلون على ذلك بقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ : ( انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا ) ويسكتون عند هذا .
ولو أكملوا الحديث لبهتوا وما نطقوا : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا قَالَ تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ ) .
فانظر كيف يبترون النص ، ثم يعلقون عليه بما يحلو لهم .

?من أمثلة ذلك ما ذكره الكذَّاب اللئيم زكريا بطرس في برنامج أسئلة عن الإيمان االحلقة 15 د/10 يقول مستشهدا على عدم تحريف الكتاب المقدس بقول الله تعالى ( الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ) يقصها هكذا ، يقول ـ موجها الدليل ـ يعرفون التوارة والإنجيل كما يعرفون أبنائهم إذا الكتاب غير محرف .
ألا لعنة الله على الكاذبين بطرس وأمثاله
هكذا بتر النص من سياقه ثم فسره بما يحلو له ، واستشهد به على عكس مراده .
الآية تتكلم عن معرفة أهل الكتاب للقرآن ، وهذه هي الآية كاملة في موضعين من كتاب الله ، قال تعالى في سورة [ البقرة : 146]: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }
والشاهد هنا أنه كوَّن الشبهة عن طريق بتر النص من سياقه العام ثم فسره بما يحلو له . وقد مرت أمثلة كثيرة على ذلك في الجزء الأول و ستأتي أمثلة كثيرة جدا على ذلك في هذا البحث إن شاء الله .
?من الأمثلة أيضا :ما ذكره الشيخ الدكتور منقذ السقار ـ حفظه الله ـ في كتابه شبهات النصارى حول الإسلام ، وهو منشور بموقع ابن مريم .
ينقل قول وهيب خليل في كتابه " استحالة تحريف الكتاب المقدس " في سياق حديثهِ عن أدلةِ ألوهيةِ المسيحِ في القرآن و السنة . يقول وهيب خليل : "روى البخاري في الجزء الثالث ص107 قائلاً:" لا تقوم الساعة حتى ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً " , و في هذا دليلٌ قاطعٌ على ألوهيةِ السيد المسيح، لأن الدينونة لله وحده " .
ينقل نصف الحديث ويغض الطرف عن النصف الآخر . و هذا كذب ولا شك ، وتعمد للكذب ولا شك ....
والحديث بتمامه كما عند البخاري من حديث أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا .
فالأمور المذكورة في تتمة الحديث تدل على بطلان النصرانية ، و أن المسيح سيحطم رمزها (الصليب) ، و أنه سيحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم .
فتدبر أخي القارئ كيف بَتَرَ جزءا من الحديث ، وفسره بما يحلو له ليدلل على باطله ؟

أسأل : ألم يقرأ الحديث كاملا ؟ !
لا بد أنه قرأه كاملا ، ولا بد أنه قَلَّبَ في صحيح البخاري واطلع على غيره من الأحاديث في ذات الباب تنافي مراده ، ولكن هي نفسية أتت فقط لترجع بكذبه تُضل بها قومها .فما وجدت إلا بتر النص .
هكذا تتكون شبهاتهم ... يبترون ثم يفسرون بما يحلو لهم .

? ومن أمثلة بتر النص من سياقه العملي وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يذهب لإمرأةٍ تدعى ( أم حرام بنت ملحان ) وينام في بيتها .
وهذا كذب وتدليس . . يبترون النص من سياقه العملي .

هي خالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويذهب في بيتها وفيه أختها أم سليم ( الغميصاء ) أو ( الرميساء ) وابنها أنس بن مالك ( وهو راوي الحديث كان موجودا يشاهد ويرى ) ، وزوجها عبادة بن الصامت رجل بألف رجل ، وزوج أختها أبو طلحة الأنصاري وأبناءه ، والحي يجتمع عليه ويصفُ ما يحدث ، وبيتها في قباء جنوب غرب المدينة بعيدا عن مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يذهب إليه مرة واحدة في كل أسبوع ومعه نفر من أصحابه ، وفي وقت محدد يعلم به الجميع . ويجتمع عليه الحي بمن فيه ، وكانت حين تأتي عليه القيلولة يقيل في بيت خالته أم حرام بنت ملحان هذه التي يتكلمون عليها . ويجلس معها مجلس الرجل مع خالته التي لا تحل له .
فانظر كيف يبترون النص من سياقه العام ؟
انظر كيف يكذبون على أنفسهم . وعلى قومهم ؟!!

? الطريقة الثالثة التي يفتعلون بها الشبهات : اعتماد الضعيف والشاذ وغيرِ الصحيح من الحديث وأقوال العلماء ، وتصديره للناس على أنه حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأقوالُ علماء المسلمين .
من المعلوم أن كتبَ التاريخ ـ وخاصة ابن كثير في البداية والنهاية ـ تأتي بالروايات الضعيفة وتضعفها ، وكذا تفعل كتب التفسير وكتب شرح الأحاديث .
وهم يأخذون هذه الروايات المحكوم عليها بأنها ( منكرة ) أو ( غريبة جدا ) أو ( لا تصح ) إلخ ويقولون أن هذا موجودٌ في كتب المسلمين الصحيحة ، يقولون : نحن ننقل من كتبكم الصحيحة مثل بن كثير والطبري والقرطبي ... الخ .
وهو كذب وخيانة .
مثلا يقولون أن زيد بن حارثةَ استأذن على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فخرج إليه عريانا يجر ثوبه واحتضنه وقبله وهو عريان .
وعلماء المسلمين ضعفوا هذا الكلام ، وأوصاف النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في القرآن الكريم والسنة النبوية تنافي ذلك تماما .

ويقولون أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان ليلة بردانا لا يجد ما يستدفئ به ، فكشفت له عائشة ُعن فخذها وهي حائض فوضع عليه خده وصدره ـ لاحظ خده وصدره ـ ونام .
وأن النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ دخل على أمنا صفية قبل أن تنتهي عدتُها .
وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى زينب بنت جحش ـ رضي الله عنها متكشفةً فأعجبته ومن ثم سعى في طلاقها من إبنه وتزوجها .
وأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطئ امرأة عمه بعد أن دفنها والناس ينظرون ... يقولون وضعها في القبر وهي ميتة .. ثم كشفها في القبر ووطئها والناس ينظرون .!!
امرأة عمه أبي طالب التي تربى في بيتها من الثامنة من عمره . عجوز قد تجاوزت السبعين .. ميتة .. والناس ووقوف .. وهي في القبر ...!!
ومثال ذلك أيضا : ما يردد زكريا بطرس من أن النبي صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن من غلمان كانوا في مكة ويستدل على ذلك بقول الله تعالى { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }[ النحل : 103]
ينطق نصف الآية ثم يقول : يقول ابن كثير هو فلان أو فلان أو فلان وفلان .. الخ .
ابن كثير والمفسرون يذكرون الأشخاص الذين سماهم الكفار ، والذين نفى القرآن العظيم في ذات الآية أن يكونوا هم الذين علموا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كونهم عجم لا ينطقون العربية والقرآن العظيم عربي مبين . فانظروا كيف يكذب على العلماء وهو يدعي العلمية ، وهو يعلم أنه كاذب .
والمقصود أن الكتب التي ينقلون منها هي بنفسها تقول أن هذا الكلام لا يصح ، ومع ذلك يصرون على الكذب الصريح .

غير معرف يقول...

? البعد الجنسي في شبهات النصارى :

ألفتُ النظرَ إلى نوعية الشبهات التي يلقي بها النصارى ... بإطلالة سريعة على شبهاتهم حول ـ سول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خصوصا والإسلام عموما ، تجد أن جلها يأخذ البعد الجنسي . وهذا من أثر الثقافة التي يُلقيها كتاب النصارى في عقول أتباعه .
فالكتاب المقدس يصف أنبياء الله ورسله بأنهم كانوا زناه ... ليس فقط زناه وإنما أردء أنواع الزنا ... يقولون أن نوحا ـ عليه السلام ـ زنى ببنتيه .وكذا فعل لوط ـ عليه السلام ـ بزعمهم وهم كاذبون ، وعندهم أن داود عليه السلام زنى بحليلة جاره وأنجب منها سليمان ، وأولاده يزني بعضهم ببعض وكذا يفترون على بنات يعقوب عليه السلام . وسليمان ـ عليه السلام ـ يحب النساء حتى أمَلْن ـ من الميلان ـ قلبه وكفر بالله !! ، وشعيب عليه السلام يمشي عريانا بين الناس بأمر الرب ثلاث ، وعندهم نشيد الإنشاد فيه كلام تتعفف عنه البغايا ، وعندهم عاهرات يدعون الرجال لفراشهن
فالبعد الجنسي ... المحرم يأخذ كماً ليس بالهين من كتاب النصارى . . ولذا تجده حاضر في كل شبهاتهم تقريبا ، وسيتضح هذا جليا حين نتعرض لبطرس الكذّأب .

? نصيحة لكل من يسمع شبهة من شبهات النصارى

ننصح كل من يسمع شبه من شبهات النصارى أن يفتش عن أمرين :
الأول : المصدر الذي تكونت منه الشبه .
والثاني : الطريقة التي تكونت بها الشبهة .
وبعد قليل من التدبر لن تجد أي شبهة للنصارى ولا لغيرهم بل ستجد أنها كلها افتراءات ومحض كذب . أو أفهاما عليلةً هي التي افتعلت الشبه بجهلها أو حقدها .

? ويسعنا أن نقول : إننا لا نواجه شبهات حقيقة وإنما نواجه عقلية مريضة هي التي تفتعل هذه الشبهات .
وانظر إلى القرآن الكريم كيف يخاطبهم .
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ }آل عمران70
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }آل عمران71
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ }آل عمران98
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجاً وَأَنتُمْ شُهَدَاء وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }آل عمران99
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ }المائدة15
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة77
ويخبر ربنا عما تكن صدورهم فيقول سبحانه وتعالى : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }البقرة146

غير معرف يقول...

كان النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ يضع رأسه في حجر زوجته ويقرأ القرآن ثم يغلبه النوم فينام ورأسه في حجرها ، تدبروا .هذا حال المُجهد الذي ما أن يستكينُ على الأرض حتى يغلبه النعاس وينام . وفي حجر زوجته يقرأ القرآن .
وكان حسن العشرة مع زوجاته يقول ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) . لا يفضل واحدة منهن على الأخرى في القسم ، ويطوف كل يوم عليهن يسأل عن أخبارهن ، ثم يبيت عند التي هو في نوبتها .
متواضعا حليما ، يرقع ثوبه ويخصف نعله ، بساما ضحاكا ، كما تصفه زوجته ، يقول صاحب الرحيق المختوم ، كان أشد الناس حياء وإغضاء ، وإذا كره شيئا عرف في وجهة . وكان لا يُثْبِتْ نظرُه في وجه أحد ، خافض الطرف . نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، جلُّ نظره الملاحظة، لا يشافه أحدا بما يكره حياء وكرم نفس، وكان لا يسمي رجلا بلغ عنه شيء يكرهه، بل يقول . ( ما بال أقوام يصنعون كذا ) . ، ولَمْ يَكُنْ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا صَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصفحُ .لا يضرب ولا يسب ، ولا يغضب إلا إن انتهكت حرمة من حرمات الله . ولا يعيب الطعام ... إن اشتهاه أكله وإلا تركه . يستيقظ من نومه جائعا فيسأل عن طعام فلا يجد فينوي الصيام إلى الليل .
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه فيما رواه أحمد : " خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ . لَا وَاللَّهِ مَا سَبَّنِي سَبَّةً قَطُّ وَلَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ فَعَلْتُهُ لِمَ فَعَلْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَفْعَلْهُ أَلَّا فَعَلْتَهُ .
يقول هند بن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان، دائم الفكرة، ليست له راحة، ولا يتكلم في غير حاجة، طويل السكوت ) انتهى كلامه رضي الله عنه .

أقول : ليس هذا حال من يحب النساء ، فالأنوثة لا تظهر مع التقشف ، والعيش على التمر والماء بين جدران الطين . فمَن لا همَّ له إلا النساء لا يقضي شبابَه كلَّه مع إمرأة واحدة عجوز تكبره بخمسة عشرة سنة ، وقد تزوجت برجلين قبله وأنجبت أكثر من مرة . ليس هذا حال من يعشق النساء . من لا همَّ له إلا النساء لا يتزوج بإمرأة عجوز ثبطة ... ثبطة تعني ثقلية متينة . . بدينة .. تمشي كأنها مقيدة ، أم أولاد يبكون ويصيحون ليل نهار عند رأسه ...ذلكم سودة رضي الله عنها ، ثاني من تزوج الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ماتت خديجة رضي الله عنها وهي قد تجاوزت الستين من عمرها .. بل قاربت السبعين من عمرها ، ثم مكث رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ بعدها لا يفكر في الزواج حتى أشارت عليه إحداهن بأن يتزوج فهو أبٌ عنده بنين وبنات ، وتزوج من ؟
تزوج سودة رضي الله عنها ... إمرأة كبيرة .. بدينة .. بطيئة الحركة تمشي الهوين كأنها مقيدة .. أم أولاد ، وظلت معه وحدها ثلاث سنوات . أي حتى بلغ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ سن الثلاثة والخمسين من عمره .

من لا همَّ له إلا النساء لا ينخلع من فراش أحب الناس إليه ويطيل السجود لله . يدعو ربه خوفا وطمعا . من لا همَّ له إلا النساء لا ينخلع من فراش أحب الناس إليه ويذهب للمقابر يزور الموتى ويدعوا لهم . من لا هم له إلا النساء .. لا يقوم من الليل حتى ترم قدماه أو ساقاه ، وقد آذنه ربه بالمغفرة على ما تقدم من ذنبه وما تأخر . ولا ذنب له وإنما هو الشعور بعظمة المعبود وتقصير العبد .
من الصعب جدا أن يقتنع عاقل بأن هذا حال شهوانيٍ يحب النساء ، أو ملكٍ ظلوم سفاك لا همَّ له إلا القتل .
إنها حالة من الوقار ، والسكينة ، والاتصال بالله عز وجل .
إنه قلب معلق بما عند ربه ، وجسم قد أنهكته علو الهمة وسمو الطلب .
كلمني أحدهم ـ من المسلمين ـ بكلام بطرس اللعين ، يقول كان النبي ـ شهوانيا ، وكان وكان ، فأجبته : أنت متزوج ؟ قال نعم ، فقلت كيف بالبيت حين يكون غرفة واحدة ويكون أبنائك كثيرون ومستيقظون ، بل كيف بالبيت إن كان به غير أبنائك .. يضج بالأبناء والضيوف ، وجداره بجدار المسجد ، هل تستطيع أن تأخذ فيه راحتك ؟ قال : أبدا . . أبدا .
قلت هذا حال النبي ، كان بيته كل واحدة من نسائه غرفة ضيقة .. من الطين ... سقفها بالجريد ، ملاصقة للمسجد .. إن أراد أن يسجد وكز زوجته لتوسع له مكانا للسجود ، وإن رفع يديه رفع سقف الغرفة ، وإن خرج من باب الغرفة وجد عددا من الأطفال من أبنائه وأحفاده .
بالله عليك : أهذا بيتٌ يستمتع فيه بالنساء ؟!
أهذا حال من يريد المتعة بالنساء ؟ !
أفي مثل هذا البيت تظهر الأنوثة وتنتعش ؟!
وتابعت : بطرس يكذب ، سله عن بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعن ليل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كيف كان يقضيه ، وعن مطعم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وملبسه ؟
إنه كذّاب لئيم .
فأجاب : حقا إنه كذّاب لئيم .

يبقى يجيش بصدر كثيرين ، ويتكلم به النصارى وكأنه كان شغل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
هذا الشيء هو ما ورد من أخبار صحيحة عن أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يواقع من تتزين له من زوجاته حتى ولو على فراش غيرها ، وهي قصة حدثت مرة ، كما جاء في سبب نزول الآيات الأول من سورة التحريم . وأنه صلى الله عليه وسلم ربما طاف على زوجاته في ليلة واحدة .
وكل هذا صحيح .
ولكنه أبدا لم يكن هذا هو السياق العام الذي كان يعيش فيه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعنى لم يكن حاله أنه يطوف كل ليله على نسائه ، ولم يكن حاله أن يذهب يبحث عن المتجملة منهن ويواقعها . لم يكن هذا أبدا حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ بل كان حاله كما قدمنا ، زاهدا في الدنيا ، متقشفا في عيشه ، يدعو ربه : اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا . اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين .كان حاله أنه لم يتزوج إلا امرأة واحدة عجوز في الأربعين من عمرها وقضى معها ربع قرن من الزمن لم يتزوج عليها ، وبدأ التعدد بعد البعثة بثلاثة عشر عاما أو يزيد ، وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد تجاوز الخمسين من عمره. وكل زواج كان بسبب . فكيف هذا ؟
حبُّ النساء فطرة خلقها الله في الرجال ، كل الرجال إلا المريض نفسيا أو بدنيا ، وهو شاذ لا يقاس عليه . ومعاشرة النساء لها ارتباط قوي برباطة الجأش . . . الشجاعة ، فالضعيف الذي يهتم لأي مشكلة لا يستطيع أن يذهب لأهله ، كلما جاءته مصيبة أو لاحت في الأفق ذهبت بعقله وبات ليلتَه يفكر فيما كان وفيما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، ويذهل عن أهله وإن كانت متجملة متزينة ، أما صاحب الشجاعة والبأس ، فلا تأخذه المشاكل ، وحين يرى امرأتَه متزينة تذهب كل الهموم ، فهي صغيرة في حسه مهما كبرت ، ويجتمع عليه شمله ، ومن ثمَّ ينتفع به أهله .وهذه النوعية من الرجال ورسولنا سيدهم تكون حسنة العشرة في الغالب . لماذا ؟
لأن من هذا حاله يستعلي على مشاكل البيت الصغيرة التي تثيرها المرأة . يستعلي على عدد من النقود تنفق هنا أو هناك . ولا يتقصى صغار الأمور . وكما قيل : ما استقصى كريمٌ قط .
وقد رأينا خالدا مثلا يتزوج حيث ينتصر ، وقد قال له أبو بكر مرة حين تزوج من بني حنيفة بعد أن هزمهم وقتل رجالهم : أنت امرؤ فارغ القلب . يتزوج ممن هزمهم ، ولا بد أن عروسه هذه قُتل أبوها أو أخوها . يتزوج ولا يلتفت لهذا كله . يتزوج وهو في دار عدوه لم يرحل بعد . وهذا حال أرباب الحزم والعزم والشجاعة من يوم كانوا ، وسل تعلم .
أما مريض القلب ... الضعيف ، فهو كالطفل تأخذه النظرة كل مأخذ ، وإن ضحكت له امرأة أجلسته عن كل شيء وأخذت بخواطره . وأقامت عنده الخاطرات ولم ترحل .

حال الضعيف أنه لا يذهب لأهله إلا في أوقات محددة ويستعين على ذلك بالدواء ، ويجلس يخطط لذلك أياما . وغالبُ من هذا حاله يكون أمره بيد أهله . فإن غضبت عليه أركبت الهمومَ على ظهره وساقته حيث شاءت . وإن رضيت عنه وتدللت سحبته حيث شاءت ، وأولئك ليسوا من خيار الرجال .ومن هذا حاله ، مع حبه للنساء وأنه لو استطاع لتزوج كل يوم ، تجده مع هذا يتعجب ويتساءل : كيف يجمع الرجل بين امرأتين فضلا عن ثلاث أو أربع أو تسع . كيف يجمع بينهم مع هموم الوظيفة والحياة ؛ يقول لك ، واحدة وتفعل بي كذا وكذا ، فما بال ذي التسعة ؟!
يتعجب . والعجب من حاله هو .
نقول له : لأصحاب العزائم حديث آخر .

غير معرف يقول...

ما معنى النسخ ؟ ولماذا كل هذه الجلَبَة والصياح التي يثيرها بطرس وغيره حول الناسخ والمنسوخ ؟

المراد بالنسخ الذي يتكلمون عنه هو رفع الحكم الشرعي بحكم شرعي أخر . أو تغير الأخبار بأخبار أخرى لاحقة تضادها في المضمون .

قضية الناسخ والمنسوخ قضية تراد لغيرها وليس لذاتها . تثار للقول بأن في القرآن الكريم تغير للأوامر والنواهي ، وبالتالي القول بأن وجود النسخ أمارة على جهل من تكلم بالقرآن ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وبالتالي القرآن ليس كلام الله . هذا ما يدندنون حوله حين يتكلمون عن الناسخ والمنسوخ . ولذلك من الجيد تناول قضية الناسخ والمنسوخ في سياق الدفاع عن القرآن ككل ، ومن الجيد عرض شبهاتهم حول الناسخ والمنسوخ في إطار افترءتهم حول القرآن الكريم .

? في القرآن الكريم :

1. ـ النسخ لا يكون في الأخبار . ولا يكون في العقائد ، وإنما في بعض الأحكام .
2. ـ ولا يدخل في الأحكام المؤبدة ( ولا تقبلوا لهما شهادة أبدا ) .
3. ـ الأحكام التي فيها النسخ لا تتجاوز العشر آيات .
4. ـ والنسخ غير موجود بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليس له وجود .
5. ـ والنسخ أمارة من أمارات الإعجاز التشريعي في هذه الشريعة . وأمارة على أن القرآن من لدن حكيم عليم .
6. الآيات التي فيها نسخ في القرآن لا تتجاوز العشر آيات .

? وفي الكتاب ( المقدس )

1. ـ النسخ في الأخبار ، فعندهم ما يسمى بالبَدَاءَة ، بمعنى أن يتكلم الله بشيء ثم بعد ذلك يبدوا له أنه أخطأ في كلامه الأول فيتراجع عنه ويتكلم بكلام جديد ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
2. ـ وعندهم أحكام متروكة لا يعملون بها ، مع عدم وجود علّة للترك .
3. ـ وعندهم نسخ في الأحكام كالذي عندنا.
4. ـ وعندهم نسخ بعد المسيح عليه السلام . فعلته أيديهم . هم الذين نسخوه .. يدعون بأن الله فوضهم .
5. ـ وعندهم أحكام من عند أنفسهم لا يوجد لها نص في الكتاب ( المقدس ) .

كل هذا والكذاب اللئيم زكريا بطرس يقول : النسخ لم يرد في الكتاب المقدس ، وينادي على من يدعي ذلك بأن يأتيه بمثال واحد فقط
ويحسب أننا لم نقرأ الكتاب ( المقدس ) . ويحسب أننا لن نرد عليه . ويحسب أن الناس لن تقرأ لنا أو تسمع ، وقد خاب من فترى .

وهاأنذا أعرض على حضراتكم باختصار غير مخلٍ إن شاء الله قضية الناسخ والمنسوخ عندنا وعندهم مستدلا بالصحيح الصريح لتعلموا أن بطرس وأحبار النصارى يكذبون على من يسمعهم ، وأن ما عندهم ليس بتنزيل رب العالمين .

النسخ في الأحكام

وبعيدا عن سفاهات بطرس وكذبه نقول : النسخ في الأحكام ليس مذموما بل محمودا ، فهو :

1. لا يقدح في علم الله سبحانه وتعالى ، بل:
2. يظهر حكمة الله البالغة في تشريعاته ويُظهر أثار أسمائه وصفاته من خلال نسخ الأحكام .
3. يُظهر فتنة الذين في قلوبهم مرض . فهو نوع من البلاء يميز الله به الخبيث من الطيب .


1. لا يقدح في علم الله

الله يعلم بداية أنه يشرع هذا الحكم لفترة محددة ثم بعد ذلك ينسخه بحكم آخر حين يتبدل حال الناس ، فهو لا يتعارض مع علم الله . ومثله أن ( تكلف خادمك بنوع من الأعمال ويكون في نيتك أن يكون على هذا العمل إلى سنة مثلاً ، وبعد السنة ستكلفه بعمل أخر لكن لم تظهر عزمك ونيتك على ما نويته ، فإذا مضت السنة وطلبت منه عمل أخر فهذا بحسب الظاهر عند الخادم وعند غيره تغيير ومخالفة لما طلبته من قبل وأما في الحقيقة وعندك فليس بتغيير.)

وكأنْ يُهمل وَلَدُكَ في دروسه وواجباته ، فتمنعه من الخروج للنزهة ، تُكَلِمه بصيغة نهائية ، ( خلاص ما فيش لعب بعد النهارده ) وفي نيتك أنه إن التزم وأجاد في دروسه سمحت له باللعب ، وبالفعل حين يلتزم تسمح له ، فهذا نسخ للحكم الأول ، يبدوا عند الإبن أنه حكم جديد مضاد للحكم الأول ، ونوع من التراجع ، وأنت قد فعلت لحكمة علتها الإبن وليس الجهل ، فعلت لتحقيق مصلحة خاصة بالابن وليس بك ، فعلت وأنت تعلم بداية الحكم الأول والحكم الثاني )
هكذا النسخ في الأحكام . لا فيه جهل بالحكم الجديد ولا فيه تغير للقول من قديم لجديد ، وإنما هي حكمة الله العليم الحكيم أن يشرع لعباده ما يصلح به شأنهم في كل حين .

والخلل يأتي من قياس علم الله على علم البشر ، يظنون أن الله مثلهم يعلم الأشياء حال وقوعها ، وما دروا أن الصفة تتبع الموصوف فعلم الله ليس كعلم الناس ، وإن سُمِّي الكل علما ، الله يعلم الأشياء قبل وقوعها ، ويعلم أزلا أنه سيكون كذا ثم يتغير بكذا وكذا .

2. يظهر حكمة الله البالغة في تشريعاته ويُظهر أثار أسمائه وصفاته من خلال نسخ الأحكام .

مثال ذلك : ( المصابرة عند لقاء الكافرين ، قول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ] [ الأنفال : 64 ـ 66 ]

هنا أمر من الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعباده الصالحين بالصبر وعدم الانحياز ( الانسحاب ) عند لقاء الكافرين حتى ولو كان عدد الكافرين عشرة أضعاف عدد المؤمنين . وَوَعدهم بالنصر إن هم آمنوا وكانوا متبعين للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ( ومن اتبعك من المؤمنين ) .
فهنا أمرٌ وبشارة. . أمرٌ بعدم الفرار ، وبشارة لهم بالنصر إن أتوا بأسبابه الظاهرة من الإيمان واتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ

ثم نُسخ الحكم ، وهو تحريم الفرار حين يكون عدد الكافرين عشرة أضعاف عدد المؤمنين بعد ذلك ، قال تعالى : [ الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } [ الأنفال : 66 ] ، وبقيت البشارة ، بمعنى أنه لو قابل مائة من المؤمنين ألفا من الكافرين ، وصبروا وهم ممن آمن واتبع ، فإن البشارة لهم بالنصر ثابتة لم تتغير ، وإن انحازوا ( انسحبوا ) فلا شيء عليهم .
أليس هذا تخفيف من الله ورحمة ؟!
أليس هذا إظهار لرحمة الله الرحيم بعباده المؤمنين ؟!
لهذا يكون النسخ في الأحكام ... لإظهار رحمة الله بعباده .

مثال آخر : قول الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ البقرة : 187] .
كان الصيام من العشاء إلى مغرب اليوم التالي ، وإذا نام أحدهم قبل المغرب إلى المغرب أو بعده فليس له أن يأكل أو يشرب ، وشقَّ ذلك عليهم . وكاد أحدهم أن يهلك من الجوع والعطش ، وأتى أحدهم إمرأته بعد أن نامت ( وذلك لا يحل ) حيث قال في نفْسه إِنَّها لم تَنَمْ ولكنها تتعلل ؛ غلبته نَفْسُه وشَهْوَتُه على عقله ودينه ، مُبَرِّرةً ومُسَوَّلة ومُطَوِّعة له ذلك بأن الزوجة لم تنم ، فكأن النفس اجتهدت في إخفاء المخالفة على العقل والوازع الديني حتى يوافقها صاحبها ويفعل ما تهواه وتشتهيه ، وهذا هو اختيان النفس ، في قوله تعالى :(( عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ ))[ البقرة: 187 ] ، لأن لفظ الخيانة لا يستعمل إلا في المخالفة التي تخفى على المَخُون ، والنفس هنا هي الخائنة ، وصاحبها هو المخون ، والمعني : تختانكم أنفسُكم ، وعبارة القرآن أبلغ ، وهي التي يستعملها الناس في حياتهم ، كالمريض الذي يتناول الممنوعات عليه ويجتهد في التبرير والتهوين وتنويم ضميره ، فيقول له الطبيب : أتخون نفْسَك؟! أو : أَتَغُشُّ نفسك ؟! ، أو : أتضحك على نفسِك ؟! ، وهكذا . والمراد هنا أنَّ الأمر قد شق عليهم حتى وقع بعضُهم في اختيان النفس ، لكن الصحابي الجليل ذهب بعد ذلك لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قائلاً : يا رسول الله : أعتذر إلى الله من نفسي هذه الخائنة .. وحكى ما حدث منه ، وجاء آخرون أيضًا إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذكروا مثل ذلك من الأكل أو الشرب أو الجماع ، وكلهم يريد الاعتذار والتوبة إلى الله عَزَّ وَجَلَّ ، لا اعتراضًا على شدة الحكم ، لأن حق الرب الملك الإله أن يَحكم ما يريد ، وأن تُبذل الأموال والأنفس في سبيله . فأنزل الله هذه الآية بهذه الرخصة بإحلال الأكل والشرب والجماع (الرَّفث) إلى الفجر (بدلاً من العشاء) بلا تأثير للنوم في ذلك ، فجاء هذا الحكم ناسخًا ورافعًا للحكم الأول ، ودليل النسخ قوله تعالي :(( فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ )) فقبل الآن كان الحكم المنسوخ ، والآن جاء الحكم الناسخ المستقر إلى يوم القيامة .
والسؤال الذي يردده الخبثاء ابتغاء فتنة الجهلاء من المسلمين وغيرهم : هل كان الحكم الأول مُشَدّدًا لتجربة احتمال المسلمين واختبار طاقتهم ، فلما تَبيَّن شدة الحكم ومشقة الأمر عليهم تم نَسْخُه بالحُكْمِ الثاني المُخفَّف ؟ بمعنى : هل بَدَا للمُشرِّع من حال الناس ما كان خافيًا عليه ، ولم يكن باديًا له فاضطر إلى تعديل الأمر ليناسب أحوال الناس ؟

لا . أبدا . لا شيء من هذا إطلاقا . ذلك تخفيف من ربكم ورحمة . هو الملك سبحانه يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد ، لا معقب لحكمه . يُشرع ثم يخفف ، ليحمده الناس ، ويعرفون آثار نعمته عليهم .

فعندما يقرأ المسلم آية الصيام في ليالي الصيام وهو يتنعم بالمآكل والمشارب ومباشرة زوجه مع علمه بما كان قبل النسخ ، يلهج لسانه بحمد الله والثناء عليه أن خفف عنه .
وإذا تعرض لظرف طارئٍ شديدٍ في يوم الصيام أو ليله فما أجدره أن يذكر هؤلاء الصادقين ويقتدي بهم ومن ثم يصبر ويستعين بالله .


3. يُظهر الله به فتنة الذين في قلوبهم مرض . فهو نوع من البلاء يميز الله به الخبيث من الطيب .

في نهاية كلامنا على سحر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقفنا وقفة تعليلية للمتشابهة من الأحكام والأخبار التي في الشريعة الإسلامية ،وقلنا أن العلة المذكورة في النصوص الشرعية هي أن الله يظهر للناس بهذه الأحكام والأخبار والأحوال من علم الله فتنتهم ، يظهر للناس الذين في قلوبهم مرض ، فلو أن كل الأمور سواسية ما علمنا الصادق من الكاذب ، ولا الشاكر من الجاحد ، ولا المؤمن من المنافق ، والنسخ في الشريعة مما يظهر الله به فتنة الذين في قلوبهم مرض . ودعني أضرب الأمثال ليتضح لك المقال :
آية الرَّجْم نسخ لفظها وبقي حكمها ، فرجم النبيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ الزاني المحصن (أي الذي سبق له زواج ، وجامع امرأته في نكاح صحيح) ، ورجم الخلفاء بعده ، وما زال حكم الرجم باقيًا إلى يومنا هذا وسيبقى إلى يوم القيامة . في الصحيحين من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وهو عَلَى الْمِنْبَرِ يخطب الناس قال :(( فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ ، فَقَرَأْنَاهَا وَعَقَلْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ ، فَأَخْشَى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ : وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ ! فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ ، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ))
وقد حدث في زماننا هذا ما توقعه عمر ـ رضي الله عنه ـ ووجدنا أناسًا أنكروا الرجم بحجة أنه ليس ثابتًا في القرآن الآن ( لأنه نُسِخ ) ، بل وَجْدنا من يقول بوحشية الرجم موافقًا ومجاريًا ومتأثرًا بكلام المُلْحِدين والدُّعَّار ، فلا حول ولا قوة إلا الله العلي العظيم .
ومعلوم أن الكتاب والسُّنَّة أصْلان عظيمان لا يفترقان ، ولا يُغْني أَحَدُهُما عن الآخر فإذا كان لفظ الآية قد رُفِع ، فإنَّ السُّنَّة القولية والعملية تغني وكذلك الإجماع ، فلا تأثير لرفع لفظ الآية في ثبوت الحكم والعمل به إلى يوم القيامة .والمؤمنون الصادقون لم يزدادوا بهذا النسخ إلا إيمانًا ورسوخًا على سنة نبيهم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، والمفتنون ظهرت فتنتهم ، مع وضوح الحكم وثبوته . ولهذا كان النسخ .

أبعد هذا يقال أن النسخ أمارة على نقصان العلم ؟ وقدح في الحكمة ؟ ودليل يتخذ على رد الشريعة ؟ وتكذيب من جاء بها صلى الله عليه وسلم ؟
لا . والله . إن النسخ أمارة على علم وحكمة الله العليم الحكيم ، ودليل على أن الشريعة غراء سمحاء أخذت الناس على مهل وأرادت بهم الخير ، ودليل على صدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
وإن الذين يجادلون في النسخ هم الذين في قلوبهم مرض من الكافرين والمنافقين ) أ . هـ .

غير معرف يقول...

المسيحية دين المحبة:هاهاها

نعم ، الحقيقة دامغة وأقوى برهانا من الخيال أو أية محاولات للتغيير والتحريف ، بل وأقوى من الدفاع مغالطةً ! وهو ما يتم بكل جبروت كلما أثيرت مسألة " أن المسيحية قد انتشرت بالسيف" .. فترتفع الأصوات معترضة ثائرة نافية – رغم كل ما يحمله التاريخ من وثائق وأدلة وبراهين تثبت المشوار الدامي للمؤسسة الكنسية الرومية ، منذ أن أصبحت الديانة الرسمية الوحيدة للإمبراطورية

الرومانية ، في أواخر القرن الرابع ، بعد اقتلاع الديانات الوثنية والمحلية الأخرى .. وهو مشوار تواصل بلا انقطاع من وقتها حتى يومنا هذا ، وإن اختلفت الأساليب والوسائل ، لكن من الواضح أن الاقتلاع أو اقتلاع الآخر هو القانون لديها ! .
فلقد نشر موقع "المصريون" اليوم 19/2/2008 مجرد رسالة وصلت إلى رئيس التحرير ، الذي نشرها بدوره محملا مسؤوليتها على من أرسلها لغرابتها .. وبما أن الخبر جدير بالتأمل ، فقد بادرت بالتعليق عليه ، خاصة وأن موضوع الخبر له موقع على "الانترنت" لمن يود الرجوع إليه للتأكد ..
ويقول الخبر المتداول على الانترنت منذ فترة بين المواقع الفردية أن هناك كنيسة على بُعد 70 كيلومترا من عاصمة تشيكوسلوفاكيا ، مزدانة بعظام آلاف المسلمين ! والخبر يتم تداوله بالصور المأخوذة عن الموقع دون ذكر لذلك الموقع ، وهو ما يؤجج المشاعر ، ويشعل الفتن بلا داعي – على الرغم من أن الواقع أكثر مرارة وألماً ..
ويحكي النص المعلن في ذلك الموقع أن هذه الكنيسة كانت لأحد الأديرة التابعة لفرقة السيسترسيين الكاثوليك ، وأنها ترجع إلى القرن العاشر ومرفق بها مدافن وتم توسعتها ، ويقال : إنه في عام 1218 قام رئيس الدير برحلة للأراضي المقدسة ، وعاد ومعه حفنة من تراب الآثار الناجمة عن الحروب الصليبية هناك ونثرها على المقابر للتبرك !..
وأيام وباء الطاعون الذي اجتاح أوروبا ضمت المقابر رفات 30000 إنسانا ، ثم أضيف إليها ضحايا الحرب التي قادتها الكنيسة الرومية ضد البروتستانت وكانت لأكثر من 40000 ألف شخصا ، هم أتباع جان هاسّ ، عميد كلية اللاهوت في مدينة براغ ، وكان يعترض على صكوك الغفران والمتاجرة بالدين ، ويتهم البذخ الفاحش الذي يعيش فيه رجال الدين ، وخاصة قيادة المؤسسة الكنسية وابتعادهم الصارخ عن تعاليم يسوع .. فأقالته الكنيسة وحرمته ، ثم أدانه مجمع كونستانس عام 1414 وقامت محاكم التفتيش باعتقاله ومحاكمته ، وتم حرقه حيا على أنه هرطقي لا بد من إبادته ! .
وتراكمت جثث الضحايا بالآلاف أتلالا عقب المعارك الدينية المختلفة سواء مع البروتستانت أو الأريوسيين أو الكاتار والبوجوميل والفودْوَا ، بينما المسيحية تنتشر بصورة قانية متواصلة !!.. وكل معركة من هذه المعارك تحصد الآلاف من ضحايا التعصب .
وفي عام 1870 طلب القس المسئول عن هذه الكنيسة من الفنان التشيكى فرانتيشك رينت Frantisek Rint)) أن يعيد تنزيين الكنيسة بعد ترميمها تخليدا لتاريخها "المجيد" .. فقام باستخدام الهياكل العظمية لأربعين ألف إنسان لتصبح الكنيسة نبراسا وشاهدا على التاريخ الكنسي الأصيل ..
ويتندر مؤسس الموقع الخاص بهذه الكنيسة الفاضحة ، بالمستوى "الإبداعي" للفنان رينت هذا ، على أنه استطاع عمل النجف الرئيسي باستخدام كافة أنواع وأشكال العظام الآدمية التي يحتوي عليها جسم الإنسان ، كما قام بجمع عظام الآلاف من القتلى لوضعها على شكل أجراس ضخمة ، قام بعضها في أركان الكنيسة الأربعة.. والصور المرفقة تقول ما فيه الكفاية !
وأياً كان أصحاب تلك العظام المغلوبة على أمرها والدالة على اغتيال الآلاف المؤلفة من البشر ، سواء أكانوا من المسلمين أو البروتستانت أو الأريوسيين الموحدين بالله والرافضين لتأليه المسيح ، أو لأي ملة من الملل ، وكان من الأكرم دفنها احتراما لحرمة الموتى ، فلا يوجد أي دليل إدانة أقوى وأصدق وأعنف من دليل تلك الكنيسة ، التي تجأر بأعلى صوت أنها تشهد على المذابح التي قادتها الكنيسة لفرض عقيدتها ، وعلى أن المسيحية قد انتشرت فعلا بالسيف في جميع أنحاء العالم !.
والطريف أن الكنيسة تدعى : " كاتدرائية صعود السيدة مريم والقديس يوحنا المعمدان " .. ويا له من عنوان لصعود سماوي يتم على هياكل آلاف البشر المذبوحين ظلما وعدوانا !.
والأطرف من ذلك أن منظمة اليونسكو تحافظ على هذه الكنيسة على أنها من الآثار المجيدة للذكرى والتاريخ !!
واللهم لا تعليق سوى : أن يكف إخواننا المسيحيون عن إلصاق تهمة أن الإسلام قد انتشر بالسيف ويروا بأعينهم مدى الخطأ الذي يقعون فيه بمثل هذا الإسقاط الذي يقومون به في حق الإسلام ، وأن يكف القائمون على عمليات التبشير والتنصير ، وأن يخجلوا من التاريخ الذي يحملونه على أكتافهم ، وأن يرفعوا أيديهم عن الإسلام والمسلمين !!
وهى عبارة أرفعها أيضا إلى البابا بنديكت السادس عشر ، الذي يقود عمليات تنصير العالم بهيستريا غير مسبوقة : ليرفع أيديه عن الإسلام الذي يحاول اقتلاعه بإصرار رهيب ، بكافة الوسائل والأحاييل ، وقد حان له أن يدرك أن الإسلام لم يأت كرسالة سماوية من عند الله إلا بعد أن حادت المؤسسة الكنسية عن رسالة التوحيد بالله ، وأشركت به وضلّت ، فجاء الإسلام كاشفا لكل عمليات التحريف التي تمت ، وكفى "قداسة" البابا آلام ما تكشفه الأيام من إدانات لمؤسسته العتيدة ..

غير معرف يقول...

حضرة المحترم / أسقف روما ، ومندوب يسوع المسيح ، وخليفة أمير الرسل ، و الحبر الأعظم للكنيسة العالمية ، وكبير أساقفة إيطاليا ، والمطران الأسقفي للمقاطعة الرومية ، ورئيس دولة مدينة الفاتيكان ، وخادم خدّام الله ، ـ ولم أذكر" باتريارك الغرب" لأنكم تنازلتم عنه .. كما لا يجوز لي إغفال لقب : رئيس مكتب عقيدة الإيمان ( محاكم التفتيش سابقا ) ، و الأستاذ المتفرغ بالجامعات الألمانية ، البابا بندكتوس السادس عشر .....



أبدأ بهمسة عتاب كزميلة في اللقب الجامعي ـ وهو المستوى الذي يدور في نطاقه هذا الخطاب ـ وكإنسانة مسلمة ، نالها من الإهانة والمرارة والألم ما نال المسلمين في العالم أجمع مما ورد في المحاضرة التي ألقيتموها ، في جامعة راتيسبون بألمانيا ، تحت عنوان :
" العقل والإيمان.. العنف يتعارض مع طبيعة الله ومع طبيعة الروح".

فمن يحمل على كاهله أمانة و مسؤولية كل هذه الألقاب ، عار عليه أن يتدنى إلى مستوى السب العلني لدين يتمسك به و يتّبعه أكثر من خمس سكان العالم .. وعار عليه أن يختار موقف التحدي الاستفزازي للنيل من الإسلام و المسلمين.. وهو موقف يندرج بلا شك ضمن مسلسل الإساءة و المحاصرة الذي بدأ منذ بداية انتشار الإسلام و يتواصل حتى يومنا هذا . إنه موقف وضعكم على أرض احتقار الآخر ، و الكذب ، و الجهل ، باختياركم ، وكلها تشبيهات لا تليق بمن في مثل منصبكم . فهو موقف يكشف عن مدى جهلكم بدينكم وبدين الآخرين من جهة ، و من جهة أخرى، هو موقف أشبه ما يكون بإطلاق العنان لحملات صليبية جديدة ما أغنانا جميعا عنها ..

وتؤكد جريدة "لاكروا " المسيحية الصادرة في 17 / 9 / 2006 ، أن المحاضرة قد تم الإعداد لها طويلا ، وقرأها العديد من المحيطين بكم ، مثلما يحدث مع كافة النصوص العامة على الأقل. كما تؤكد الجريدة أنه منذ يوم الاثنين 11 / 9 و " بينما لم يكن البابا قد نطق محاضرته بعد ، صدرت الصحف الإيطالية بعناوين حول بنديكت السادس عشر و الإسلام " ! الأمر الذي يؤكد ربط هذه المحاضرة في هذا التوقيت بمسرحية الحادي عشر من سبتمبر !.. فما أصبح معروف يقينا رغم التمويه الشديد ، أن الأيادي المدبرة أمريكية رفيعة المستوى . وكان هدف المحاضرة واضحا في ربطه بين الإسلام والإرهاب والشر .. أي أنه موقف متعمّد.

ولقد جاء ردكم وتعبيركم عن " الحزن " الذي انتابكم من ردود الأفعال التي أثارتها محاضرتكم كعذر أقبح من ذنب ، فالباحث الأكاديمي حينما يستشهد في بحثه ، يكون ذلك لأحد أمرين : إما لتأييد موقفه ، وإما لنقد ذلك الاستشهاد ـ ولا يوجد هناك ما يسمى باستشهاد لا يعبر عن رأيي كاتبه بالمعنى الذي حاولتم التبرير به : فالكاتب هو الذي يستشهد . وقولكم أن هذه العبارات لا تعبر عن رأيكم الشخصي، في الوقت الذي يؤكد صلب المحاضرة وسابق كتاباتكم وخاصة خطابكم الرسولي كلها كتابات تؤكد أنكم تعنونه ، وذلك يضعكم في مصاف أولئك الباحثين الذين يضعون أفكارهم على لسان غيرهم حتى لا تحسب عليهم خشية عواقبها .. وهو موقف علمي يوصف بالجبن ولا يليق بمن في مكانتكم.

وحتى التصريح الصادر عن المكتب الإعلامي للفاتيكان يوم السبت 16/ 9/ 2006 والذي استشهد فيه المتحدث الرسمي بقرار وثيقة " في زماننا هذا " الصادرة عن مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965 ، فهو أيضا بمثابة عذر أقبح من ذنب ، ويكشف عن الموقف غير الكريم والملتوي ـ لكي لا أقول ذو الوجهين ـ للفاتيكان. فمن يطّلع على محاضر صياغة هذا النص تحديدا يصاب بالغثيان من كثرة ما جاهد كاتبوه لاستبعاد أن العرب من سلالة إسماعيل ، الابن البكر لسيدنا إبراهيم، ولا ينتمون إليه ، وإنما يتخذونه مثلا !. واستبعاد حتى أن الله قد خاطب المسلمين عن طريق الوحي إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. والمرجع صادر عن الفاتيكان بعنوان " الكنيسة والديانات غير المسيحية" ، وبه محاضر الجلسات المخجلة . الأمر الذي يوضح مدى تمسككم باستمرار ذلك الموقف غير الأمين تجاه الإسلام و المسلمين ، لعدم الاعتراف به كديانة توحيدية. وسواء اعترفتم أو لا تعترفون به فالإسلام موجود ومعترف به من الجميع على أنه الرسالة التوحيدية الثالثة المرسلة للبشر، ورفضه أو إنكاره لا يدين إلا شخصكم.

ولا يسع المجال هنا لتناول مختلف النقاط التي طرحتموها في تلك المحاضرة والتي تزيد عن العشرين موضوعا ، وسأكتفي بالرد على ما يخص الإسلام ، وهما نقطتان أساسيتان : ما وصفتم به الله عز وجل في " المذهب الإسلامي " من أن التصعيد المطلق لله عبارة عن مفهوم لا يتفق ولا يتمشى مع العقل والمنطق ، ولا يمكن فهمه ، وأن إرادته لا ترتبط بأي واحدة من فئاتكم المنطقية ، ولا حتى فئة المعقول ؛ وأن سيدنا محمد عليه صلوات الله ، لم يأت إلا بكل ما هو شر ولا إنساني ، مثل أمره بنشر العقيدة التي يبشر بها بالسيف ! .

وأول ما يجب توضيحه هنا هو أن الإسلام ليس بمذهب ، كما وصفتمونه ، وإنما دين توحيدي متكامل ، شامل الأركان ، ثابت وراسخ ، وخاصة شديد المنطق والوضوح وهو ما يجذب الناس إليه. و مجرد إغفال مثل هذه الحقيقة يوصم موقفكم ويكشف عن مدى عدم الأمانة العلمية والموضوعية التي تتمسكون بها !

ولن أحدثكم هنا عن الإسلام الذي يمكنكم دراسته إن شئتم ، لكنني سأسألكم عن الكتاب المقدس بعهديه ، والذي ترون أنه بقسميه يتفق مع العقل والمنطق دونا عن القرآن ، مشيرين في موضع آخر " أن العنف يتعارض مع طبيعة الله وطبيعة الروح ، وان الله لا يحب الدم و التصرف بمنافاة العقل يعد ضد طبيعة الله ". وهنا لا يسعني إلا أن أسألكم عن كل ما هو وارد بالعهد القديم من أمر الإله يهوه لأتباعه بإبادة كل القرى وحرقها وذبح الرجال والنساء والأطفال بحد السيف و أخذ الذهب والفضة ... وفى مكان آخر يطلب تعذيبهم و تقطيعهم وحرقهم في أفران الطوب ... هل تتمشى مثل هذه الآيات مع العقل والمنطق في نظركم ؟ وخاصة هل ترونها تخلو من الشر واللا إنسانية ؟! أم هذا هو التسامح الذي تقرونه !

وما هو وارد في سفر حذقيال حين يأمره الرب أن يأكل خبزا وعليه "خراء الإنسان " وحينما اشتكى النبي حزقيال أمره أن يضيف عليه روث البقر! هل يتمشى هذا مع العقل والمنطق في نظركم ؟! وأخجل حقا من ذكر بعض الإباحيات الواردة بهذا النص وغيره رغم محاولة درئها بتغييرها أو تعديلها من طبعة لأخرى .. والنصوص والطبعات موجودة.

أما في المسيحية التي تترأسون أعلى المناصب فيها ، فأبدأ بسؤالكم عن تأليه السيد المسيح في مجمع نيقية الأول سنة 325 ، رغم وجود العديد من الآيات التي يقول فيها السيد المسيح إن "الرب إلهنا واحد " (مرقس 12:29) ، "ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله" (متى 16:19 ) ، "إني أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهي و إلهكم " (يوحنا 20:17) ، " للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" (متى 4:10) ، وما أكثر الآيات التي يوضح فيها أنه إنسان :" أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله " (يوحنا 8:40) ، كما أن هناك آيات تقول :" هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل " (21:11) ، و"قد قام فينا نبي عظيم " (لوقا 7:16) .. ورغم كل هذه التأكيدات التي لا تزال موجودة ولم تمحى بعد ، قامت المؤسسة الكنسية بإعلان أن يسوع "إله حقيقي من إله حقيقي ، مولود وليس مخلوق ، ومشارك للآب في الجوهر" ..وبعد ذلك جعلته الله شخصيا ، فهل تتمشى كل هذه المغالطات مع العقل والمنطق ـ رغم أنها أدت إلى تقسيم المسيحية وإلى مذابح بين أتباعها ؟!

وفى مجمع القسطنطينية الأول تمت إضافة أن " الروح القدس مشارك للآب في الجوهر" ، مما أدى إلى انفصال آخر للكنائس. وفى مجمع أفسوس سنة 431 أقر المجمع بدعة " أن مريم أم الله " ، مما أدى إلى معارك وانفصالات أخرى .. وفى مجمع خلقيدونيا سنة 451 أقر "الطبيعة الثنائية ليسوع " .. وكلها عقائد وقرارات لا يذكر ولا يعرف عنها يسوع أي شيء ، فهل هذا يتمشى مع العقل والمنطق ؟!

والمعروف من إصداراتكم أنه لم يتم تقبل عقيدة التثليث لقرون طويلة بين الكنائس ، بحيث نطالع في قرار مجمع فلورنسا المنعقد سنة 1439 ، الذي راح يحدد لليعاقبة معنى الثالوث لفرضه بلا رجعة ، وينص القرار على ما يلي : " إن العلاقة وحدها هي التي تفرق بين الأشخاص ، لكن الأشخاص الثلاثة يكوّنون إله واحد وليس ثلاثة آلهة ، لأنهم من جوهر واحد ، و طبيعة واحدة ، وألوهية واحدة ، وضخامة واحدة ، وخلود واحد ، وأن ثلاثتهم واحد حيث لا تمثل العلاقة أي تعارض " ، وعلى الذين لا يروقهم هذا الوضوح تجيب الكنيسة : أنه سرّ ! فهل مثل هذا المنطق هو الذي ترونه يتمشى مع العقل السليم ؟!..

تعتبرون سيادتكم أن نصوص الكتاب المقدس بعهده القديم ، القائم على الترجمة السبعينية، وأناجيله الأربعة وباقي الكتب المرفقة ، هو الكتاب الذي يعتد به فهو يحتوي على الإيمان الإنجيلي وتستعينون بفكره طوال محاضرتكم بعد استبعاد القرآن. والمعروف تاريخيا أن القديس جيروم هو الذي صاغه بأمر من البابا داماز، بعد توليفه من أكثر من خمسين إنجيلا كانت منتشرة ومستخدمة حتى القرن الرابع. وعند الفراغ من مهمته كتب مقدمة للعهد الجديد موجها إياها للبابا داماز يقول فيها :
" إلى قداسة البابا داماز ، من جيروم
تحثني على أن أقوم بتحويل عمل قديم لأخرج منه بعمل جديد ، وتريد منى أن أكون حكماً على نُسخ كل تلك النصوص الإنجيلية المتناثرة في العالم ، وأن أختار منها وأقرر ما هي تلك التي حادت أو تلك التي هي أقرب حقا من النص اليوناني . إنها مهمة ورعة ، لكنها مغامرة خطرة إذ سيتعيّن علىّ تغيير أسلوب العالم القديم و أعيده إلى الطفولة. و أن أقوم بالحكم على الآخرين يعنى في نفس الوقت أنهم سيحكمون فيه على عملي. فمن من العلماء أو حتى من الجهلاء ، حينما سيمسك بكتابي بين يديه ويلحظ التغيير الذي وقع فيه ، بالنسبة للنص الذي اعتاد قراءته ، ولن يصيح بالشتائم ضدي ويتهمني بأنني مزوّر و مدنس للمقدسات ، لأنني تجرأت وأضفت ، وغيّرت ، و صححت في هذه الكتب القديمة ؟

" وحيال هذه الفضيحة ، هناك شيئان يخففان من روعي ، الأمر الأول : أنك أنت الذي أمرتني بذلك ؛ و الأمر الثاني : أن ما هو ضلال لا يمكن أن يكون حقا . وهو ما تقره أقذع الألسنة شراسة . وإذا كان علينا أن نضفي بعض المصداقية على مخطوطات الترجمة اللاتينية ، ليقل لنا أعداؤنا أيها أصوب ، لأن هناك من الأناجيل بعدد الاختلاف بين نصوصها. ولماذا لا يروقهم أن أقوم بالتصويب اعتمادا على المصادر اليونانية لتصويب الأجزاء التي أساء فهمها المترجمون الجهلاء ، أو بدّلوها بسوء نيّة ، أو حتى قام بعض الأدعياء بتعديلها.

"وإذا كان علينا دمج المخطوطات ، فما يمنع أن نرجع ببساطة إلى الأصول اليونانية ونبعد بذلك عن أخطاء الترجمات السيئة أو التعديلات غير الموفقة من جانب الذين تصوروا أنهم علماء ، أو الإضافات التي أدخلها الكتبة النعسانين ؟ إنني لا أتحدث هنا عن العهد القديم والترجمة السبعينية باللغة اليونانية التي لم تصلنا إلا بعد ثلاث ترجمات متتالية من العبرية إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية . ولا أود أن أبحث هنا ما الذي سيقوله أكويلا أو سيماّك ، أو لماذا آثر تيودوسيان الوسط بين المترجمين القدامى و الحداث . لذلك سأعتمد على الترجمة التي يمكن أن يكون قد عرفها الحواريون .

" وأتحدث الآن عن العهد الجديد ، المكتوب بلا شك باللغة اليونانية فيما عدا إنجيل متّى الذي كان قد استعان أولا بالعبرية لنشره في منطقة اليهودية. إن هذا الإنجيل يختلف يقينا عن الذي بلغتنا نظرا لتعدد المصادر التي استعانوا بها لتكوينه . وقد آثرت أن أرجع إلى نص أساسي، فلا أود الاستعانة بترجمات المدعوان لوشيانوس أو هزيكيوس التي يدافع عنها البعض بضراوة عن غير وجه حق ، واللذان لم يكن من حقهما مراجعة لا العهد القديم بعد ترجمة السبعينية ، ولا أن يقوما بمراجعة النصوص الجديدة . فالنصوص الإنجيلية التي وصلتنا بلغات شعوب مختلفة توضح مدى الأخطاء و الإضافات التي بها . وإذا كنت قد قمت بذلك بالنسبة للنسخ المكتوبة بلغتنا فلا بد وأن أعترف بأنني لم استفد منها شيئا ".

ذلك هو حال الكتاب الذي تعتبرونه مقدسا ! وأكتفي بهذا القدر من الاستشهاد لأن باقي النص متعلق بترتيب الأناجيل و تبويبها . وكان ذلك في القرن الرابع الميلادي . أي أنه حتى ذلك التاريخ لم تكن الأناجيل المعروفة حاليا قد استتب أمرها . واندلعت الخلافات بين الكنائس لمدة قرون طويلة ، حتى قامت المؤسسة الكنسية الكبرى بفرض هذا الكتاب المقدس على الأتباع على أنه نص منزل و " أن مؤلفه هو الله " ، وذلك في المجمع التريدنتي سنة 1547 . ثم قام مجمع الفاتيكان الأول المنعقد في عامى1869 و1870 بإعلان أن الكتاب المقدس بعهديه " كتب بإلهام من الروح القدس ، وأن مؤلفه هو الله ، وأنها قد أُعطيت هكذا للكنيسة " .. أما مجمع الفاتيكان الثاني المنعقد بعد ذلك بحوالي تسعين عاما ، ظهرت خلالها من الدراسات والأبحاث التي أطاحت بمصداقية الكتاب المقدس ، ما جعله يعلن عن إصحاحات هذا الكتاب المقدس قائلا : " إن هذه الكتب وإن كانت تتضمن الناقص و الباطل ، فهي مع ذلك شهادات لعلم تربية إلهي حقيقي" !.. ترى يا سيادة البابا هل هذا هو المنطق الذي ترونه حقا ومفهوما ؟!..

ولا تفوتنا هنا الإشارة إلى " ندوة عيسى " التي انعقدت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1992 ، وأن أهم ما خرج به فريق العلماء المساهمين فيها وهم حوالي 200 باحثا لاهوتيا وأكاديميا ، أن 82 % من الأقوال المنسوبة إلى يسوع لم يتفوه بها وإنما صاغها كتبة الأناجيل، وأن موت يسوع وبعثه حدث في المكان و بالكيفية التي أرادها كتبة الأناجيل .. (صفحة 24 من مقدمة الكتاب الصادر عن الندوة) .. وما يأسف له هؤلاء العلماء هو الجهل الشديد لدى عامة المسيحيين بكتابهم المقدس وخاصة بالعهد الجديد ، وهو مستوى يرون أنه يصل إلى درجة الأمية ! واللهم لا تعليق على ما تعتبرونه مصدرا للعقل و المنطق والإلهام!!

تقولون في خطبتكم الموقرة أن سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام لم يأت إلا بأشياء شريرة ولا إنسانية ، من قبيل أمره أن يتم نشر ما يبشر به بالسيف ... لعلكم لا تجهلون أن البابا أوربان الثاني هو الذي أعلن قيام الحروب الصليبية باسم الرب في مجمع كليرمونت ، قائلا : " إن الله يريدها " ، و أنه أطلق على المساهمين فيها لقب "جند يسوع " وأمرهم بوضع علامة الصليب على ثيابهم وعتادهم ، و وعد بغفران ذنوبهم وإعفائهم من الضرائب و أغدق عليهم العطايا .. ويصف المؤرخ المرافق للحملة و المعروف باسم " لانونيم " قائلا : " تم طرد المدافعين عن المدينة (القدس) بقتلهم وبترهم بالسيوف أحياء ، حتى معبد سليمان . وقد وقعت مجزرة لا مثيل لها بحيث أن جنودنا كانوا يغوصون بأقدامهم في الدماء حتى عراقيبهم " ، ثم يضيف بعد ذلك قائلا : " لعل ما أدى إلى نجاح ذلك الهجوم وغيره الانقسام الذي كان سائدا آنذاك بين المسلمين " . وعندما سادت المجاعة أيام حصار عكا كان الصليبيون يسلقون أطفال المسلمين ويأكلونهم .. أذلك هو ما يندرج تحت مسمى العقل والأعمال الإنسانية وعدم الانتشار بالسيف؟!

كما تم إنشاء محاكم التفتيش لتواكب أعمالها ولتواصل ما أُطلق عليه عصر الظلمات الذي امتد حوالي ألف عام ، بمنع الأتباع من قراءة إنجيلهم ومنع التعليم إلا على رجال الدين .. و المعروف أن الحروب الصليبية لم توجه ضد المسلمين وحدهم في الأراضي المقدسة ، وإنما امتدت إلى إسبانيا لتعاون في اقتلاع الإسلام ، كما امتدت إلى أوروبا وجنوب شرق فرنسا لاقتلاع شعوب الكاتار والبوجوميل والفودوَا لأنهم حتى ذلك الوقت كانوا رافضين لبدعة تأليه السيد المسيح .. وما تذكره المراجع التاريخية والعلمية عن عمليات التعذيب التي تفننت فيها محاكم التفتيش من حرقها الناس أحياء أو خزء عيونهم أو انتزاع لسانهم وهم أحياء أو دهن أرجلهم بالزيت ووضعها فوق النار بعد ربطهم حتى لا يتحركون من أماكنهم ليصيب القارئ بالغثيان .. وما كتبه القس بارتولوميه دي لاس كازاس عن وحشية أعمال المبشرين ورجال الكنيسة وجنودها عند غزوهم شعوب أمريكا الجنوبية يفوق الخيال في بشاعته .. ولم يُسمح بنشر مذكراته إلا في أواخر القرن العشرين . ولا يسع المجال هنا للتحدث عن الحروب الدينية بين المسيحيين كحرب الخمسين عاما، والمائة عاما ، والمجازر المميزة كمجزرة البروتستانت المعروفة باسم سانت بارتليمى .. ولا عن سرد كيفية تم فرض المسيحية بالسيف على أوروبا وضواحيها أو على باقي بعض شعوب العالم .

وإذا ما تم حصر أعداد كل الذين تم قتلهم بأمر من الكنيسة الكاثوليكية الرومية الرسولية لوصل إلى مئات الملايين من الأبرياء ، وهو ما تذخر به المراجع .. فمثل هذه الأعمال تندرج تحت أي منطق في نظر سيادتكم ، أم لعلكم تباركونها لبراءتها و تسامحها المسيحي!

سيادة الأستاذ والباحث المبجل ، إن كل ما تقدم وأكثر منه بكثير هو ثابت علميا وتاريخيا ووثائقيا ، بل أكثر منه جد كثير ولا يسع المجال هنا لذكره .. إنها مجرد شذرات.

تقولون في الفقرة الثالثة من محاضرتكم أن الله لا يحب الدم ، ومع ذلك تصرّون على استمرار العقيدة التي تفرض على الأتباع شرب دمه وأكل لحمه عند تناول الإفخارستيا . ومن لا يؤمن بذلك إيمانا قاطعا بأنه يشرب دمه فعلا ويأكل لحمه فعلا يكون كافرا وملعونا .. ومن الواضح أن هناك العديد من الأتباع الذين ينفرون من مجرد هذه الفكرة ، وتفاوتت حدة الصراعات الرافضة للإفخارستيا بالمعنى الكنسي ، وكان من أشهر هؤلاء جان فيكليف الذي أدانه مجمع كونستانس 1418 لأنه نادى بأن الخبز والنبيذ لا يتبدلان في القربان ولا يتحولان ، وأن المسيح لا يتواجد فعلا بلحمه ودمه في القربان. فأدان المجمع كل مؤلفاته واتهمه بالهرطقة ، وبعد موته أمر المجمع بنبش قبره لإلقاء عظامه بعيدا عن المدافن الكنسية ( المجمع المسكونية ، ج2 صفحة 859 ) . ثم قام مجمع لاتران بإدخال هذا الطقس الدموي ضمن عقيدة الإيمان !

وكانت آخر محاولة مبذولة لدراسة كيفية فرض فكرة أكل لحم المسيح و شرب دمه فعليا و حقيقيا ، ذلك العام الذي كرسه البابا يوحنا بولس الثاني في أكتوبر 2004 والذي انتهى بانعقاد السينودس الذي أقيم من 2 إلى 23 أكتوبر 2005 ، وحضره 256 أسقفا من 118 بلدا حول موضوع : " الإفخارستيا في الحياة و الرسالة الحالية للكنيسة " ، وقد قمتم بترؤسه لوفاة البابا السابق. و تم اختيار هذا التاريخ ، 23 أكتوبر لإنهاء أعمال المؤتمر ، ليتفق مع " اليوم العالمي للتبشير " ... وهو ما يكشف عن أن عقيدة الإفخارستيا تقف عقبة في عمليات التبشير التي تخوضونها وتجاهدون لتدارس كيفية فرضها !

ومن الواضح أن الإصرار على فرض هذه العقيدة بمثل هذا التشبث ، هي عملية تبرير لاستمرار ضرورة وجود طبقة القساوسة التي هي وحدها تمتلك سر تحويل الخبز و النبيذ " بقدرتهم السرّية " إلى لحم ودم المسيح الذي يتعيّن على الأتباع أكله شربه و إلا لا يحصلون على الخلاص!.. ولا نملك إلا أن نتعجّب لما تعتبرونه معقولا ومنطقيا و يتفهمه العقل والمنطق.. ولعل ذلك هو ما دفع الكاتب الفرنسي إميل زولا أن يقول في إحدى رواياته : "إن الحضارة الإنسانية لن تتقدم إلا أذا سقط آخر حجر من آخر كنيسة على رأس آخر قسيس"!
أنتقل بعد ذلك إلى مجمع الفاتيكان الثاني وقراراته سنة 1965 التي تمثل خروجا سافرا على نصوص و تعاليم العهد الجديد ، والتي تمثل جزء كبيرا من المشكلات التي تواجه العالم حاليا . فعلى الرغم من اتهامكم اليهود في قداس كل يوم أحد بأنهم قتلة الرب ، وعلى الرغم من وجود أكثر من مائة آية صريحة الوضوح في اتهامها بالعهد الجديد ، نص ذلك المجمع من ضمن ما نص عليه في نصوصه المتعددة ، على :
* تبرئة اليهود من دم المسيح.
* اقتلاع اليسار في عقد الثمانينات ( من القرن العشرين ).
* اقتلاع الإسلام في عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة و قد تم تنصير العالم ، وإن كانت هذه التوصية بدأت بعبارة مضخمة هي "توصيل الإنجيل لكل البشر"..
* إعادة تنصير العالم.
* توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما.
* فرض المساهمة في عملية التبشير على كافة المسيحيين الكنسيين منهم و المدنيين ، وهى أول سابقة من نوعها وتوصم أمانة الأقليات المسيحية في كل مكان.
* استخدام الكنائس المحلية في عمليات التبشير ، الأمر الذي يضع الأقليات المسيحية في البلدان التي يعيشون فيها في موقف عدم الأمانة أو الخيانة الوطنية لصالح التعصب الكنسي.
* فرض بدعة الحوار ، كوسيلة لكسب الوقت حتى تتم عملية التنصير بلا مقاومة تذكر.
* إنشاء لجنة الحوار.
* إنشاء لجنة خاصة بتنصير العالم.

ولن أطلب من سيادتكم تقييم قرارات هذا المجمع من حيث العقل والمنطق ، أو من حيث الشرور واللا إنسانية التي تمخض عنها ، فهي ليست بحاجة إلى تقييم ، إنها تجأر بنفسها ، لكنني سأضيف أن البابا يوحنا بولس الثاني كان قد وعد بتبديل و تغيير سبعين آية من آيات الأناجيل لتتمشى مع مسلسل التنازلات التي تقدمونها للصهاينة . وللحق لا أعرف إن كان قد تمكن من إتمام ذلك قبل وفاته أم سيقع عليكم الوفاء بهذا الوعد .

ومن بين كل القرارات السابقة لن أعلق إلا على نقطة بدعة الحوار بين الأديان ، لأستشهد ببعض النماذج الكاشفة من الوثائق الفاتيكانية :
* أخطر ما يمكن أن يوقف الحوار : أن يكتشف من نحاوره نيتنا في تنصيره.
* من أهم عقبات الحوار ما قمنا به في الماضي ضد الإسلام والمسلمين ، وهذه المرارات عادت للصحوة حاليا ، فقد أضيفت الآن قضية إسرائيل و موقف الغرب منها ، و نحن كمسيحيين نعرف ما هي مسؤوليتنا حيال هذه القضية..
* ضرورة القيام بفصل المسيحية في حد ذاتها عن العالم الغربي ومواقفه المعادية والاستعمارية فالمسلم لم ينس ذلك بعد.
* إن الحوار الصحيح يرمى إلى تجديد كل فرد بالارتداد الباطني والتوبة ، اعتمادا على الصبر والتأني والتقدم خطوة خطوة وفقا لما تقتضيه أحوال الناس في عصرنا.
* يتعيّن على المسيحيين أن يساعدوا مؤمني العقائد الأخرى على التطهر من تراثهم الديني لتقبل عملية الارتداد.
* إن أعضاء الديانات الأخرى مأمورون بالدخول في الكنيسة من أجل الخلاص.
* الحوار يعنى فرض الارتداد والدخول في سر المسيح..
* إن الكرسي الرسولي يسعى إلى التدخل لدى حكام الشعوب و المسؤولين عن مختلف المحافل الدولية ، أو الانضمام إليهم بإجراء الحوار أو حضهم على الحوار لمصلحة المصالحة وسط صراعات عديدة ..

وأكتفي بهذا القدر القليل من غثاء جد كثير لأسأل سيادتكم : هل مثل هذا التعامل غير الأمين واللا إنساني هو ما تعتبرونه مقبولا من العقل والمنطق ؟!

وهنا تجدر الإشارة إلى خطابكم الرسولي الأول " الله محبة " ، ولا يسع المجال لتناوله بالتفصيل ، فقد أفردت له مقالا آنذاك بعنوان " تنازلات على نغمة المحبة " ! ومن أهم ما يجب الإشارة إليه اعتباركم أن اليهود و المسيحيين وحدهم هم الذين يعبدون الله الحقيقي ، ثم قيامكم بالربط بين الإسلام و الانتقام و الكراهية و العنف باسم الله ، وأن الكنيسة الكاثوليكية وحدها هي التي عليها أن تسود العالم ، وكمٌ من التنازلات الممجوجة التي قدمتموها للصهاينة. وهو ما يؤكد أن استشهادكم في المحاضرة لم يكن من قبيل المصادفة وإنما تقصدونه لأنه يمثل رأيكم الدائم.

ولا يسعني عند نهاية خطابي المفتوح هذا إلا أن أسألكم : يصر الفاتيكان على أن رسالته هي تنصير العالم ، وهو يبذل قصارى جهده وبكافة الوسائل الصريحة والملتوية لتحقيق ذلك ، بل لا يكف عن حث الكنائس الأخرى و توحيدها لاستخدامها في عملية التبشير و التنصير ، و لقد تم فرض هذا الموقف على الأتباع و على الكنائس المحلية في كل مكان بزعم أنها الوسيلة الوحيدة للتصدي للمد الإسلامي ، كما تم استصدار القوانين الأمريكية الترويعية لتنفيذ ذلك .. غير آخذين في الاعتبار أن ذلك تحديدا هو ما يشعل الفتن و يولد العنف دفاعا عن الذات و عن الدين وعن الهوية، فما عساكم فاعلين بتلك الدويلة الدينية العنصرية التي ساعد الفاتيكان على تثبيتها ظلما وعدوانا وانتزاع الأرض من أصحابها لقوم لا حق لهم فيها وفقا للنصوص ؟ بل ما عساه فاعلا بهذه الدويلة العنصرية التي يعد إنشاؤها خروجا سافرا على دينه وتعاليمه ـ وهناك من الأبحاث اللاهوتية ما تؤكد انه لا حق لهم شرعا في هذه الأرض ، وذلك من قبيل رسالة الأب لاندوزي ؟ ـ

ولا نسخر حين نتساءل بكل مرارة و ألم : ترى ، هل سيقوم سيادة البابا بتنصير اليهود ، أم إن الفاتيكان هو الذي سيتهوّد ؟! أليست دعوتكم الظالمة هي تنصير العالم ؟!

إن من يحمل على كاهله مثل هذا التاريخ المدرج بالدماء ، ومثل هذا التراث القائم على التزوير والتحريف ، ويقوم بمثل هذه السقطة الاستفزازية وسب الإسلام والمسلمين عن عمد ، فلا يجب عليه الاعتذار الواضح فحسب وإنما يجب عليه التنحي عن مثل هذا المنصب . وهو أقل ما يجب عليه أن يفعله إن كانت هناك ثمة أمانة علمية أو دينية.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

غير معرف يقول...

الالفية الثالثة: للدكتورة "زينب عبد العزيز""قرأت كتابك الذى يحمل عنوان نفس هذا الرد ، والصادر عن دار مصر المحروسة ، وهزنى ما في بعض عباراته من صدق وأنين ..نعم ، على حد قولك ، فلنطو صفحة الفى سنة مضت ، ولنفتح صفحة جديدة لألف سنة عنوانها : " مسلمون ومسيحيون لمستقبل أفضل " كما تقول ، وأضيف إلى ما أنهيت به كتابك : " فمصر لكل المصريين " .. لذلك أمد يدى إلى يدك الممدودة في أخوة لنتعاون جميعا على صد تلك الهجمة الشرسة التى يحيكها لنا الغرب المتعصب ، فكلنا على حافة الهاوية ، والقذيفة حين تسقط لا تميّز بين قبطى ومسلم ..



وتابعت تأملاتك ـ كما تطلق عليها ـ وهزنى ذلك الحزن المتردد بين صفحات تحمل العديد من القضايا المطروحة ، وإن كان بكثير من المواربة أو عدم الوضوح ، وأخرى يشار إلى نتائجها فحسب ، الأمر الذى لا يسمح للقارئ بفهمها أو فهم أسبابها ، وبالتالى فلن يمكنه الإسهام في حلها أو في تخطيها ، وإذا ما استثنينا تلك المساحة الواسعة من الكتاب ، والتى تندرج تحت بند التعريف والتبشير الواضح بالمسيحية - ولعل ذلك يرجع إلى مهنتك الكهنوتية بالطبع ، فإنه يمكن تقسيم القضايا المطروحة إلى عدة مجموعات حتى يسهل تناولها تباعا وهى : نغمات نشاز ؛ خلافات عقائدية مسيحية ؛ الإسلام ؛ قضايا الساعة ؛ والحوار ..



وأبدأ بالنغمات النشاز ، لا لأهميتها فحسب ، ولكن لاستبعادها من المناقشة هنا حيث أن حيز المقال لا يسمح بتناولها بشئ من التفصيل ، ولأنها قُتلت بحثا .. ومن هذه النغمات النشاز :

تكرار أن مصر بأسرها كانت قبطية أيام الفتح الإسلامى ، وأن عدد الأقباط كان آنذاك أربعة ملايين نسمة ، ولوم المؤرخين على "إسقاط العصر المسيحى" من تاريخ مصر ، والتأكيد على أنه قد إمتد ستة قرون : " سته قرون سادت فيها المسيحية وسيطرت الكنيسة " أو "حكمت" .. والإصرار على عبارة "مصر القبطية " ، و "الشعب القبطى" وعلى أن كلمة " مصر " تعنى " قبط " وإن القبط وحدهم هم المصريون الحقيقيون وهم سلالة المصريين القدماء أصحاب البلد ، وإن المصريين المسلمين دخلاء ، بل والقول بأن كل المنطقة العربية كانت مسيحية بما في ذلك شبه الجزيرة العربية ومكة والمدينة ، وأنها قد دخلت الإسلام بسبب الخلافات العقائدية المسيحية أو بسبب انتشار الإسلام بالسلاح وفرض الجزية قهرا .. وتكرار أن العرب أو أعراب شبه الجزيرة عبارة عن قبائل من " الجياع والعطشى " قد احتلوا البلدان المسيحية ، و" تحول حال المسيحيين من أغلبية إلى أقلية وسط بحر زاخر من المسلمين " وأن الإسلام قد أخذ عن القانون الساسانى الفارسى، وإثارة قضية خلق القرآن أكثر من مرة ، وما إلى ذلك من القضايا التى لا يؤدى إثارتها إلا إلى المساس بمصداقية الكاتب و أمانته العلمية.. وهنا سأكتفى بسؤال واحد : تُرى هل يفقد الإنسان جنسيته لتغيير عقيدته ؟ ..

وإن أمكن الرد في عجالة لأوضحت لك أيها الأخ الكريم إجمالا أن مصر بأسرها لم تكن قبطية في أى وقت من الأوقات ، لا كمرحلة إنتقالية بين العصر الفرعونى والإسلامى ، ولا أيام الفتح الإسلامى ، بل و لم يحدث فى التاريخ أن كان الأقباط يمثلون الأغلبية فى أى وقت من الأوقات ، فقد كان هناك المستعمر اليونانى والرومانى بجلياتهما التى كانت تمثل الطبقة الحاكمة بجنودها و جيشها ، وجاليات اليهود والوثنيين والمصريين القدماء الذين استمرت معابدهم إلى ما بعد الفتح الإسلامى ، فالمسيحية كانت تحارب بضراوة حتى عام 381 عندما أعلنها قسطنطين ديانة رسمية هناك .. فكيف يمكن أن يصل عدد أقباط مصر إلى أربعة ملايين آنذاك في حوالى قرنين ؟!

وبمناسبة تكرار تساؤلك حول تعداد مسيحيي الشرق وتعداد أقباط مصر ومسيحييها ، وأنه " لا توجد إحصائية تحدد ذلك " فيمكنك الرجوع إلى ما أعلنه الفاتيكان من أن عدد المسيحيين في الشرق الاوسط إثنا عشر مليونا ، منهم أربعة ملايين نسمة تقريبا في مصر ( كتاب الجغرافيا السياسية للفاتيكان ) ، وهى نفس الأرقام الواردة بأحدث المراجع ، ومنها "موسوعة تاريخ المسيحية " الصادرة في ابريل عام 2000. وهنا إسمح لى بتعليق بسيط كأخت لك في هذا الوطن الجريح بسبب عدد من الذين يتخذون نفس موقفك ، فأيا كان عدد المسيحيين المصريين بمختلف عقائدهم ، فإن ذلك لا يضيرهم في شئ إطلاقا ولا يمس كرامتهم أو كيانهم في أى شئ ، ومن حقهم كمصريين أن يعيشوا ويسهموا في تقدم مصر ورخائها و فى الدفاع عنها وسط إخوانهم المسلمين كأسرة واحدة وأمة واحدة . وذلك سواء أكان عددهم، كما هو حاليا ، حوالى أربعة ملايين أو حتى أربعة أشخاص ! وتلك هى سماحة الإسلام الحقة .. وإثارة نغمات نشاز من هذا القبيل لا تعنى في الواقع سوى ترديد مطالب الغرب السياسية المتعصبة الذى يسعى حثيثا إلى تقسيم العالم العربى والإسلامى ليسهل تنصيره وحكمه كما يعلنون و كما هو واضح جلى من مجرى الأحداث.. فهذا أمر مرفوض أساسا ولا يليق بمن في مثل مكانتك العلمية أو اللاهوتية .

وهنا أضيف في عجالة أيضا وللعلم ، أن اسم مصر Egypt مشتق من كلمة "كمت"

الهيروغليفية وتعنى " الأرض السوداء " ، وأن كلمة " قبط " مشتقة من اسم مدينة " قفط " بالصعيد وكان اسمها coptos أيام اليونان والرومان ، ولا تزال الخرائط القديمة تحمل هذا الاسم ، ومن المعروف أن أوائل المسيحيين المصريين كانوا يهربون من المذابح اليونانية والرومانية إلى أقاصى الصعيد وتجمعوا في مدينة قفط وضواحيها وصار منها اسم قبط ..

وملحوظة أخيرة حول هذه النغمات النشاز : إن الإسلام لم ينتشر بالسلاح والقهر والاستبداد وإنما التعصب الكنسى هو الذى مارس ذلك ، والتاريخ الدموى للكنيسة معروف في صراعه على السلطة منذ بداية تكوينها حتى يومنا هذا ، والإنقسام الجذرى الذى اشرت إليه والذى وقع في القرن الحادى عشر، ثم ذلك الذى وقع في القرن الخامس عشر لم يكن إلا نتيجة لذلك الصراع الدائر بين السلطة الكنسية والسلطة المدنية ، ولم تقم فرنسا أيام الثورة الفرنسية بالفصل بين السلطتين من فراغ ، وهو ما قامت به ثانية عام 1905 عندما لم يرتدع التعصب الكنسى .. وما أكثر ما كُتب في هذا المجال .. فتلك المجازر هى التى أدت بالغرب المسيحى إلى الإلحاد والعلمانية إضافة إلى كل ما كشف عنه التقدم العلمى من تعديل وتبديل في ترجمة النصوص المسيحية و الأناجيل.. فلننتقل إلى نقطة الخلافات العقائدية في تلك المسيحية ..



لقد اشرت يا أخى طوال كتابك إلى تواريخ معيّنة وإلى مجامع بعينها كما أشرت إلى خلافات محزنة ، كما تقول ، وإلى الإنشقاقات الناجمة عنها ، دون أن توضح ما الذى حدث تحديدا. ولكى نكون منصفين ، إن كنا نود أن نضع حدا لكل ما يوجد من خلافات سواء بين المسيحيين بعضهم بعضا أو بين المسيحيين والمسلمين ، فمن الأمانة الموضوعية أن نقول بإيجاز شديد ما الذى دار في هذه المجامع أو تلك التواريخ التى اكتفيت بالإشارة إليها ، حتى يكون القارئ على بيّنة من الأحداث ، خاصة بعد أن قال موريس بوكاى عن حق : " إن أغلب المسيحيين لا يعرفون أن المسيحية قد تم تحريفها عبر المجامع على مر العصور ، كما أنهم لا يعرفون إن الأناجيل التى بين أيديهم لم يكتبها أولئك الذين هى معروفة باسمائهم " ( الإنجيل والقرآن والعلم ) .

والمجامع التى اشرت اليها هى : مجمع سنه 49 في اورشليم ، ومجمع نيقية الأول سنه 325 ، ومجمع القسطنطينية سنه 381 ، وأفسوس سنه 431 ، وخلقيدونيا سنه 451 ، والقسطنطينية الثانى سنه 553 ، والثالث سنه 681 ، ثم انتقلت فجأة وبلا مقدمات إلى اتفاق تم حول " طبيعة المسيح أو شخصه القدوس " ، و تم حسم هذا الخلاف يوم 22/2/1988 بين البابا يوحنا بولس الثانى والبابا شنودة ، عن طريق لجنة الحوار المشتركة بين الكنيستين ، وأوردت نص الإتفاق الذى يقول :

" نؤمن أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة المتجدد هو كامل في ناسوته ، و جعل ناسوته واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير ولا تشويش وفى نفس الوقت نحرّم كلا من تعاليم نستور و أوطيخي " (صفحة 79).

والجملة الأولى في هذا النص اللاهوتي بين الكنيستين "نؤمن أن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح" وما كررته كثيرا من "أن المسيح هو الله " أو " المسيح الإله" أو "الله الثالوث المقدس" أو "المسيحية هي الإيمان بالمسيح الإله" ، أو" الله المتجسد في المسيح" كل هذه العبارات وكثيرغيرها لا تتفق وما تحاول نفيه من شرك بالله أو من نفى للتعددية فى المسيحية.. وهي نقطة جوهرية أو هي النقطة الجوهرية الأساسية في الخلاف بين الإسلام والمسيحية ، وسوف نعود إليها فيما بعد . ولنواصل التواريخ والمجامع التي أشرت إليها ..

فقد أشرت بعد ذلك إلى مجمع 1054 الذي " قسم المسيحية إلى شرقية وغربية " ثم "ثورة الإصلاح" ، ثم أشرت إلى مجمع الفاتيكان الأول عام 1869، ومجمع الفاتيكان الثاني عام 1965 ، إضافة إلى الإشارة إلى اسمين أو ثلاثة بمرارة شديدة هما أريوس ونستور وأوطيخي الذين تواصل الكنيسة حرمانهم حتى يومنا هذا ..

ولكي يكون القارئ على بينة من الأحداث سنتناول هذه المجامع والأسماء باختصار شديد لكى يدرك القارىء أو يفهم ما الذى تتحدث عنه فى كتابك :

49 مجمع أورشليم : وهو أول مجمع عقد في كنيسة أورشليم من أجل تدارس إلغاء الختان الذي كان يقف عقبة في سبيل اعتناق الوثنيين للمسيحية ، وقام صراع بين بولس وبرنابا (أعمال ارسل 15 : 1-2 و 5) فذهبا للقاء الأسقف يعقوب ، أخو الرب (غلاطية 1: 19) أسقف كنيسة أورشليم وتدارسوا الموضوع واقترح بولس إلغاء الختان ( الذي أراده الرب عهدا أزليا أبديا) وقام يعقوب أسقف الكنيسة بإعلان ذلك بحكم منصبه ( أعمال الرسل 15 : 19 –21 ). والمعروف أن بولس لم ير السيد المسيح ولم يكن من الحواريين كما أنه لا يحق له إلغاء ما شرّعه الله ..

325 مجمع نيقية الأول : هو المجمع الذي تم فيه تأليه السيد المسيح ، وذلك على عكس الآيات التي لا تزال موجودة والتي يفرق فيها هو بينه وبين الله سبحانه وتعالى ، أو تلك التي تقول أنه نبي. وقد تمت صياغة عقيدة الإيمان في هذا المجمع ، ونصها : " نؤمن بإله واحد ألآب القوي ، خالق كل الكائنات المرئية وغير المرئية ، وبرب واحد يسوع المسيح ، ابن الله المولود من الآب ، المولود الوحيد ، أي من نفس طبيعة الآب ، إله من إله ، نور من نور، إله حقيقي من إله حقيقي ، مولود وليس مخلوق ، من نفس طبيعة الآب ، الذي به قد تم كل شئ ، ما هو في السماء وما هو في الأرض ، والذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا قد نزل وتجسد ، وجعل نفسه إنسانا ، وتألم وبعث في اليوم الثالث ، وصعد إلى السماوات ، وسيعود ليحاكم الأحياء والأموات، و(نؤمن) بالروح القدس . والذين يقولون " كان هناك زمن لم يكن موجودا فيه ولم يكن موجودا قبل أن يولد وأنه صار بعد أن لم يكن موجودا ، أو أنه من أي أقنوم أو طبيعة أخرى" ، أو الذين يؤكدون أن ابن الله قابل للتغير أو التحلل ، فان الكنيسة الكاثوليكية والرسولية تلعنهم ".

وكان هذا المجمع قد عقد لإدانة أريوس وحرمانه لأنه كان رافضا لتأليه السيد المسيح (نصوص عقيدة الإيمان مأخوذه من كتاب تاريخ ونصوص المجامع المسكونية 1994) .

381 – مجمع القسطنيطنية الأول : هو المجمع الذي تم فيه مساواة الروح القدس بالله وبالسيد المسيح وفرض عقيدة التثليث ، لذلك تم تعديل عقيدة الإيمان إلى النص التالي : " نؤمن باله واحد ألآب القوي خالق السماء والأرض ، وكل الأشياء المرئية واللامرئية ، وبرب واحد يسوع المسيح، ابن الله ، المولود الوحيد ، الذي ولد من ألآب قبل كل القرون ، نور من نور، اله حقيقي من اله حقيقي ، مولود وليس مخلوق ، من نفس طبيعة ألآب ، الذي به قد تم كل شئ والذي من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا قد نزل من السماوات وتجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وجعل نفسه إنسانا ، وقد صلب من أجلنا أيام بونس بيلاطس، وتألم ودفن ، وبعث في اليوم الثالث وفقا للنصوص المقدسة وصعد إلى السماوات ، ويجلس عن يمين ألآب وسيعود ممجدا ليحاكم الأحياء والأموات ، ولا نهاية لحكمه ،ونؤمن بالروح القدس ، وهو اله يمنح الحياة ، وهو منبثق من ألآب، ويعبد ويمجد مع ألآب والابن ، وقد تحدث إلى الأنبياء ، ونؤمن بكنيسة واحدة كاثوليكية ورسولية. واعترف بتعميد واحد لمغفرة الذنوب ، وانتظر بعث الأموات وحياة العالم الآخر ، آمين ".

فكيف يمكن يا أخي الفاضل أن تقول بعد ذلك " أن الثالوث يعد شرحا لوحدانية الله " أو "ما أبعد المسيحية عن الشرك أو عن التعددية " أو " ليس التثليث معناه انقسام الله إلى ثلاثة استغفر الله العظيم ، وليس هو تأليه المسيح استغفر الله " (صفحات 49 ، 50 ، 93) . ترى هل يجوز لمن فى مثل منصبك أن يخرج صراحة عن عقيدة الإيمان كما طالعناها للتو ؟! كما أن السيد المسيح لم يبق "مدفونا" ثلاثة أيام كما تقول العقيدة إذ أنه "مات" مساء الجمعة و بُعث صباح الأحد ، وفقا لما هو وارد بالأناجيل ..

431 مجمع افسوس : انعقد هذا المجمع لفرض عقيدة أن السيدة مريم العذراء هي أم الله وليس لمجرد مناقشة دورها في التجسد فحسب كما تقول يا أخي ، كما قرر المجمع إدانة وحرمان كل من لا يؤمن بأن السيدة مريم العذراء أم الله ، ومن لا يؤمن بأن المسيح هو الله وأن الله هو المسيح ، ومن يقوم بالتفرقة بين الطبيعيتين (الطبيعة الجسدية والإنسانية والطبيعة الإلهية ) ، ومن يفصل بين الله والمسيح ، ومن ينكر الطبيعة الإلهية للمسيح أو يقول أنه قد تم تمجيده بفضل الروح القدس وكأنه شئ آخر مختلفا عنه وليس هو!! وقام المجمع بإدانة نستور وحرمانه لرفضه اعتبار أن السيدة مريم " أم اله ". ذلك هو ما فرضه مجمع أفسوس..

451 مجمع خلقيدونيا : انعقد المجمع لإدانة القائلين بأن المسيح له طبيعة واحدة جسدية وليست له طبيعة الهية وفرض سيادة الكنيسة الرومانية على كافة الكنائس كما قام بالتصدى للذين رفضوا اعتبار السيدة مريم أم الله وأدان أوطيخي لدفاعه عن النستورية ولرفضه قبول فكرة أن السيد المسيح له طبيعتان مستقلتان إنسانية وإلهية ، وقام المجمع بالتأكيد على " أن مريم أم الله ، و أن المسيح الإبن و الرب ، المولود الوحيد ، له طبيعتان بلا خلط ولا تغيير وانقسام أو تفرقة ، وأن اختلاف الطبيعيتين لا يتلاشى بسبب اتحادهما ، فكل طبيعة منهما مستقلة في شخص واحد وأقنوم واحد ، مسيح واحد لا يتجزأ ولا ينقسم في شخصين ، وإنما ابن واحد ، الوحيد المولود ، الإله الكلمة ، الرب يسوع المسيح ، وهو ما قام الأنبياء بتعليمه وقد أخذوه عنه ، كما علمه لنا يسوع المسيح بنفسه ونقله الينا الآباء عن طريق عقيدة الإيمان "..

وقام المجمع بحرمان كل من يخالف ذلك ، وهذه التحديدات العقائدية هي التي أدت إلى انفصال الكنيسة الأورثوذكسية أو القبطية ، وإن كانت قد عادت وقبلت بعضه وفقا لما هو وارد بالاتفاقية المشار إليها سالفا والتى تم توقيعها يوم 22/2/1988.. وتضفي المراجع أهمية خاصة على هذه المجامع الأربعة الأولى لأنها هي التي صاغت مجمل العقيدة المسيحية تقريبا.

553 مجمع القسطنطينية الثاني : انعقد لإدانة أعمال أوريجين ومؤلفاته ، وإدانة النستوريين الذين لا يزالوا يرفضون عقيدة التثليث وخاصة لرفضهم قبول أن السيدة مريم أم الله ، ولا يزال هناك أتباع للكنيسة النستورية حتى يومنا هذا.

681 مجمع القسطنطينية الثالث : انعقد لإدانة القائلين بأن هناك طبيعة واحدة فقط للسيد المسيح و "إرادة واحدة لطبيعة يسوع الإله الحقيقي وأحد أقانيم الثالوث المقدس" ، كما انعقد لإدانة الذين يعترضون على عقيدة تجسد الله في المسيح ، وقد أقر المجمع عقيدة الإيمان السابقة وأضاف إليها مزيدا من التفاصيل التي تؤكد " أن السيد المسيح هو الله ومن نفس طبيعة الله ومن نفس طبيعة البشر ما عدا الخطية ".

وكانت الخلافات قد تزايدت حول مقولة انبثاق الروح القدس من ألآب ، ومن الابن ومساواتهم الثلاثة أم أنه ينبثق من ألآب عن طريق الإبن ، وبالتالي فإن الاقانيم الثلاثة للثالوث المقدس لا تتساوي .. وقد ظلت الخلافات والمعارك الخاصة بالثالوث تندلع من بلد إلى آخر ومن مجمع إلى آخر حتى رفضه البروتستانت في ثورة الإصلاح ، كما رفضوا أن تكون السيدة مريم أم الله ، وذلك من بين خمس وتسعين إدانة أخرى وجهونها للكنيسة الكاثوليكية ، وقد قامت الكنيسة الهولندية عام 1966 باستبعاد عقيدة الثالوث تماما من كتابها للتعليم الديني لعدم تمشيها مع المنطق وعدم قبول الاتباع لها..

1545 مجمع ترانت : انعقد ليفرض صحة الترجمة اللاتينية للأناجيل التي قام بها القديس جيروم وأقرها مجمع سنة 494 ، كما فرض المجمع الإيمان بهذه النصوص على " أنها نص منزّل نهائي وأساسي " ، وذلك رغم كل ما انتابها من تعديل وتبديل عند نقلها من لغة لأخرى ورغم كل ما واجهها من ادانات. كما صاغ المجمع عقيدة الخطية الأولى ، وحمّلها على كافة الأتباع ، وأدان مارتن لوثر وأصرّ على الحفاظ على الأسرار السبعة للكنيسة التي سبق فرضها في مجمع فلورنسا سنة 1439 ، وكانت الخلافات حولها قد تزايدت لتصبح جزءا من مطالب ثورة الإصلاح ولا تزال الخلافات قائمة حول بعضها . لذلك أعاد المجمع فرض حقيقة " تحول الإفخارستيا فعلا إلى دم المسيح ولحمه عند تناولها " ، وذلك تثبيتا لما فرضه مجمع لاتران سنة 1225. كما قام مجمع ترانت هذا بتجديد قضية المطهر وعبادة القديسين واباحة الصور الدينية .

1869 مجمع فاتيكان الأول : تصدى للمطالبين بتنقية نصوص الأناجيل مما بها من تناقضات أو معلومات لم تعد تتمشى مع الإكتشافات العلمية الحديثة ، كما تصدى للتقدم العلمي والحضاري فيما هو معروف باسم "معركة الكنيسة مع العلم ". وأقر المجمع السيادة الباباوية ومعصومية البابا من الخطأ التي سبق فرضها بما أنه يمثل الله على الأرض !!

1965 مجمع فاتيكان الثاني : يعتبر هذا المجمع أول مجمع هجومي في التاريخ لما تمخض عنه من قرارات فى المجالات اللاهوتية والاجتماعية والسياسية حيث أن كافة المجامع السابقة إجمالا كانت تتعلق بخلافات العقائد وتثبيتها أو الدفاع عنها بالتصدي لرافضيها بالحرق أحياء أو بالقتل أو بالسجن .. ومن أهم قرارات هذا المجمع تبرأة اليهود من دم المسيح ، بعد أن ظلت تلعنهم فى قداس كل يوم أحد على أنهم قتلة الرب ، واقناع المسلمين والعرب آنذاك بأنها مجرد مصالحة دينية؛ اقتلاع اليسار في عقد الثمانينات حتى لا تبقى هناك أنظمة بديلة للرأسمالية الاستعمارية واقتصادها ؛ اقتلاع الإسلام في عقد التسعينات حتى تبدأ الألفية الثالثة والعالم كله قد أصبح مسيحيا؛ توحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما، الأمر الذي بدأ فعلا كما رأينا في اتفاقية 22/2/1988 الوارد نصها بتنازل الكنيسة الأورثوذكسية ؛ تحميل عبء عملية التبشير على كافة المسيحيين بحكم تعميدهم في الصغر ، وذلك للكنسيين منهم والعلمانيين ، وهي أول مرة تفرض فيها الكنيسة عدة بنود خاصة بالاستعانة بالمدنيين بهذا الشكل الواسع ، كما قرر المجمع استخدام الكنائس المحلية في عملية التبشير وإقرار مبدأ الحوار لخدمة التبشير، وإنشاء لجنة خاصة بذلك للحوار مع الديانات غير المسيحية وخاصة مع الإسلام .

وقد أدت المصالحة مع اليهود إلى اعتراف الفاتيكان بالكيان الصهيوني المحتل لدولة فلسطين وهنا لا يسعنا الا أن نقدم لبابا الفاتيكان الذي أعلن " ضرورة تنصير العالم " بزعم أنه لاخلاص إلا بالمسيح ، ترى كيف سيتم خلاص اليهود الذين اعترف لهم بدولة دينية ؟ هل سيقوم بتنصيرهم أم أن لهم خلاصا عن طريق آخر غير السيد المسيح ؟! والسؤال مطروح أيضا على كافة الكنائس التي تشارك في لعبة التنصير، كما أنه موجه لك ايها الأخ الكريم ..

ومن بين النتائج التي عشناها نتيجة لقرارات ذلك المجمع : إسقاط اليسار في عقد الثمانينات بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية وإحياء العام المريمي في الإتحاد السوفيتي السابق، و إقامة حزب تضامن في بولندا ، وقد أصبحت هذه المعلومات من المعلومات الصحفية الدارجة لكثرة ما نشر عنها وعما تكلفته من ملايين الدولارات .. ومن المعروف أن الحرب التي تم شنها على الإتحاد السوفيتي قد بدأها الرئيس الامريكي ريجان بصيحة شهيرة معلنا " أنها حرب صليبية على محاور الشر" ، وهي نفس الصيحة التي أعلنها جورج بوش الإبن في حملته لإقتلاع الإسلام تحت زعم "الإرهاب" ، إذ بدأها هو أيضا معلنا أنها حرب صليبية . .

ولم "يسخر منه العالم" ، يا آخي الفاضل كما أوضحت في هامش صفحة 172 ، لم يسخر منه العالم الغربي أيها الأخ المصري الصميم ، وإنما تواطأ معه ، فعلى الرغم من كل تلك الخلافات العقائدية التي أشرت إليها في كتابك ، وعلى الرغم من الخلافات في المصالح ، فلقد تعاون معه الغرب المسيحي المتعصب لاقتلاع الإسلام بشتي الوسائل ، حتى " بالتدخل لدى الحكام" كما أعلنها البابا يوحنا بولس الثاني ، وهو نفس المطلب الذي يلوّح به لتوحيد كافة الكنائس تحت لواء كاثوليكية روما للتصدى للمد الإسلامى ، وكلها تصريحات مكتوبة ومنشورة .. فدعنا ننتقل إلي المجموعة الثالثة من القضايا التي أثرتها ألا وهي : الإسلام وما يتعلق به .



و أبدأ بأن الإسلام ليس من "عواصف قوى الجحيم " ، وليس عبارة عن " عنف أو قتال وحروب وإرهاب" ، وليس "حروبا هلالية" على وزن الحروب الصليبية، " أهملها المؤرخون عن جهل أو عن عمد" ، والمسلمون ليسوا مجرد " قبائل من الجياع والعطشى " الطامعين في رخاء مصر القبطية والعالم العربي المسيحي ، والإسلام ليس مجرد "لغة جديدة" تكتسح اللغات القديمة التي مارستها الشعوب آلاف السنين" ، اللهم لا تعليق يا أخي الفاضل.. والإسلام ليس سببا في الإنقلاب الذي حدث في المسيحية وفى "تحول المفكرين في الغرب عن اللاهوت المسيحي" ، وانما السبب الحقيقي لذلك هو اكتشاف الحقيقة ، فعلى حد قول المثل العامي الشائع في بلدنا، من أقصى أعماق الصعيد إلى آخر شطآن بحري ، "الكذب مالوش رجلين" .

أن ما حدث في العالم الغربي المسيحي أو لأكبر جزء منه هو اكتشاف أكبر كذبة تمت في التاريخ ألا وهي : تأليه السيد المسيح ! تلك الكذبة التي ندفع جميعا ثمنا لها ، المسلمون بمحاولة اقتلاعهم على أنهم الدليل الحي الكاشف لهذه الكذبة ، والغرب المسيحى بفقد إيمانه بعد أن رضع قرونا من أكاذيب التعصب الكنسي ، فكفر بالدين ، كفر بذلك الإله الذي اكتشف كيفية تأليهه بالنصوص والوثائق ، فغرق في الإلحاد والعلمانية وفى التخبط الذي يعاني منه "مبتعدا عن الدين" ، كما أشرت دون توضيح الأسباب ...

ومثلما قال السيد المسيح :" لم أرسل إلا إلى خراف بيت اسرائيل الضالة" (متى 15 :24) الأمر الذي سبق أن أكده على حوارييه : "هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلا إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت اسرائيل الضالة" (متى 10 : 5 – 6). الأمر الذي يحصر رسالته بالقطع في نطاق خراف بيت اسرائيل الضالة ، وليس إلى العالم ، كما يزعم التعصب الكنسي.. فمثلما جاء السيد المسيح لتصويب الإنحراف عن رسالة التوحيد في بيت اسرائيل ، جاء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالقرآن الكريم الذي أوحى به اليه لتصويب الإنحراف الذي تم في المسيحية بتأليه السيد المسيح وفرض عقيدة التثليث ، فقال الله عز وجل " لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح ابن مريم " (7/المائدة)، " لقد كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثالثة" (73 / المائدة) "فامنوا بالله ورسوله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم" (171/ النساء) ولذلك أيضا أُنزلت سورة الإخلاص لتحدد معنى التوحيد بالله الذي ليس كمثله شئ ولتنفي عنه بدعة الإنجاب :

" قل هو الله احد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا احد ".

أي أن كل رسالة التوحيد بالله عز وجل في القرآن الكريم ، قائمة على إنكار وإدانة ما تم نسجه من تحريف لرسالة التوحيد عبر المجامع كما رأينا ، بدأ بتأليه السيد المسيح في مجمع نيقية الأول سنة 325 ، واستكمال بدعة الثالوث في مجمع القسطنطينية سنة 381 ، وما ترتب على ذلك من تحريف في الأناجيل ومن انشقاقات بين الكنائس .

وفيما يتعلق بالتحريف والتبديل في الأناجيل الحالية ، فلن استشهد بالموسوعة البريطانية طبعة سنة 1978 ، التي تؤكد على وجود مائة وخمسون الف تناقضا وتحريفا في العهدين ، وانما سأستشهد بالقرآن الكريم الذي يقول : " يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به"، (13/ المائدة )، " وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه ، من بعد ما عقلوه " ( 75 /البقرة ) "فبدّل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم " (59 / البقرة ) .

وهنا لن نضرب إلا مثلا واحدا من الأناجيل الحالية كتطبيق لهذه الآيات : إن السيد المسيح يقول أنه ما أُرسل إلا من أجل خراف بيت اسرائيل الضالة ، أي أن رسالته محدودة فيمن كفر من اليهود ، وهو الأمر الذي أكده للحواريين صراحة قائلا : " إلى طريق أمم لا تمضوا وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا بل اذهبوا بالحرى إلى خراف بيت اسرائيل الضالة (متى 10 : 5 – 6) ، وهو أمر منطقي ويستقيم مع منطق رسالة التوحيد ومع الأحداث التاريخية بعودتهم إلى عبادة العجل و قتل الأنبياء ، ثم نرى ذلك الإصرار الغريب من جانب التعصب الكنسي على تنصير العالم ، استناداً إلى الآية التي في أواخر إنجيل متى والتى يقول فيها على لسان السيد المسيح : "فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم ، وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس "(متى 28 : 19).

فكيف يمكن أن توجد عقيدة التثليث التي تمت صياغتها في القرن الرابع كما رأينا ، في إنجيل من المفترض كتابته فيما بين سنة 80 ، 85 ؟ إن الرد لا يخرج عن أحد أمرين : إن كان إنجيل متى صادقا ، فذلك يعني أن المسيحيين لا يؤمنون بمعطيات انجيلهم وكان لابد من فرضها قهرا عبر مجمعي 325 ، 381 – وإن كان هذا الافتراض لا يتفق وكل الذين عارضوا تأليه السيد المسيح ولا يزالوا.. وإما أن عقيدة التثليث هذه قد أضيفت إلى انجيل متى بعد استكمال صياغتها في أواخر القرن الرابع لإضفاء مزيد من المصداقية عليها ! الأمر الذي يتفق تماما مع ما قاله القرآن الكريم ، وإن كانت صياغة تلك الآية في انجيل متى تثير تناقضا جديدا فيما يتعلق بالتعميد : فكيف يقول متى أن يتم التعميد باسم الثالوث (28 : 19) وكان يوحنا المعمدان يعمّد بالماء (اعمال الرسل 1 :5) ونفس هذه الآية تنص على أن الحواريين سوف يعمدون بالروح القدس ، ثم يقول بطرس أن يتم التعميد باسم يسوع المسيح (اعمال الرسل 2 : 38) ؟ و ياله من خلط و تبديل ..

ولا يسعنا الا أن نضيف ما قاله الباحث جيرار ميسادييه من أنه " لا الأناجيل المعتمدة ولا الأناجيل المستبعدة تتضمن أية إشارة إلى الرسالة العالمية ليسوع ، وان هذه الفكرة قد أضيفت بعد ذلك " (الرجل الذي اصبح إلها " صفحة 185 ج2) .

لذلك اقول لك ايها الأخ الكريم ، أن الإسلام ليس مجرد " ذلك الدين الآتي من قلب الصحراء"، وانه لم يأت "لاستعباد البشر وإذلالهم أو إحتقارهم" ، كما أنه لا يمثل "شبح التطرف وكابوس الإرهاب".. لقد أتى الإسلام مصوبا لما تم تحريفه في الرسالتين التوحيديتين السابقتين ، فالإسلام قائم على التوحيد بالله ، وعلى أنه لا إكراه في الدين " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر " (29/ الكهف ).

والقرآن الكريم لم يعلن "العداوة الدائمة والبغضاء بين المسيحيين" وانما أتى كاشفا لكل عمليات التحريف التي قامت بها الايادي العابثة في المسيحية حبا في السلطة. وهنا لا يسعني إلا أن أضيف لك ما تعرفه يقينا : أن الإسلام يأمر المسلم بالإيمان بعيسى بن مريم عليه السلام كأحد أنبياء الله ورسله ، كما يفرض عليه أن يؤمن بالأنجيل الذي أوحاه الله اليه ، بالأرامية ، اذ يقول سبحانه وتعالي : " وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم " ( 4 / ابراهيم ) . وهذه الآية تحديدا تعد أكبر دليل سبّاق علي كل ما كشفه العلم الحديث من تحريف في الأناجيل الحالية ، ودليل سبّاق علي كل الذين يؤمنون بأن اللغة اللاتينية المفروضة كأصل للأناجيل في القرن الخامس ليست هي لغته وليست هي نصه الأصلي كما تفرضها المجامع علي انها نصوص منزلة وموحاه ..



أما قضايا الساعة ، فمن أهم ما طرحته في عجالة ودون الإشارة أيضا إلي أسبابها نتائج معركة الحداثة التي قدمتها علي أنها "نزوة من نزوات الشيطان" ، وهذه العبارة التقييمية لا توضح حقيقة ما حدث في الواقع ـ كما اشرت الي العولمة ، " حديث العصر " علي " أنها فكرة مسيحية " وذكرت الجات مادحا ، متناسيا أنها لطمة كاسحة للأقتصاد المحلي ، وهو مالا يستقيم وحبك المعلن للبلد.. ولعل الجدير بالتناول هنا هي معركة الحداثة لما لها من جوانب متعددة. وفي واقع الأمر ، لقد تعرضت الكنيسة في الغرب ، بعد ثورة الإصلاح وانقسامها ، الي معركتين أساسيتين هما : معركة عصر التنوير ، ومعركة الأصولية والحداثة في مطلع القرن العشرين ، وقد قام عصر التنوير ـ كما هو وارد بكافة المراجع التاريخية والإجتماعية ـ ضد ما أطلقوا عليه "عصر الظلمات" أو عصورها .. والمقصود بها الظلمات التي فرضها التعصب الكنسي من تصدي لمنع انتشار العلم ، وبإقامة محاكم التفتيش للتحكم في المجتمع ، وفرض الرقابة علي المطبعة عند ظهورها ، وما الي ذلك ..

إن الخطب الرسولية في هذا الصدد معروفة ، فمنها تلك التي اشرت إليها في كتابك عن " الشئون الحدثية " الصادرة غفي 15/ 12/ 1891 . ولقد أصدرها البابا عند إعادة محاولة الكنيسة التدخل في شئون الدولة ، وهو أول خطاب رسولي خاص بالمسألة العمالية ومحاولة منعهم من الإنخراط فى مذهب الأشتراكية أو الشيوعية التي حاربتها الكنيسة بضراوة ، كما يهاجم الخطاب الإشتراكية كحلٍ اجتماعي ويدافع عن الملكية الفردية ويقوم بتبرير تدخل الكنيسة في شئون الدولة بزعم التخفيف من بؤس العمال ! وكان قد سبقه خطاب البابا بيوس التاسع في 8/12/1864 الذى يدين فيه مذهب الطبيعية بكل صورها ، وخاصة مذهب العقلانية الحديثة ومبدأ التحرر من العلاقة بين الكنيسة والمجتمع المدني ، رافضا أن تكون الدولة وحدها هي مصدر كل القوانين ، واتبع الخطاب بقائمة تتضمن ثمانين خطأ في نظر الكنيسة في تلك العلوم الحديثة ومطالبها .. ومن المعروف أن عصر التنوير يمثل أعلي وأعنف ما وصل إليه الصراع الكنسي حتي ذلك الوقت ، فقد بدأت عملية مراجعة واسعة للنصوص الإنجيلية ، لا من جانب البروتستانت وحدهم ، ولكن من جانب الكاثوليك أنفسهم ، الذين طالبوا بتنفيذها حتي تتمشي مع التقدم العلمي ، فأدينت كل أعمال ذلك العصر ووضعت في سجل الكتب المحرمة ( الأندكس ) التي يحرّم البابا علي أتباعه الإطلاع عليها ..

وظلت هذه القائمة أو ذلك السجل معمولا به منذ إنشائه عام 1551 حتى عام 1966 عندما قام مجمع الفاتيكان الثاني بتغيير اسم اللجنة الأساسية التي يخضع لها هذا السجل من " لجنة محاكم التفتيش" إلى "لجنة عقيدة الإيمان " ( القاموس التاريخي للبابوية ) وإذا ما أضفنا إلى ذلك قرار البابا جريجور التاسع سنة 1224 ، بإقرار عذاب الحرق بالنار حياً للمنشقين ، والذي تبعه بالخطاب الرسولي المعنون " من أجل الإنتزاع" سنة 1244 ، والذي أقر فيه استخدام التعذيب في محاكم التفتيش للحصول علي الإعترافات ، وهي المحاكم التي كان البابا إينوسنت الثالث قد أرسي قواعدها في نوفمبر 1215 ( ومن الطريف أن يعني إينوست هذا: البرئ ) وإذا ما أضفنا ما جرى للعالم جاليليو وكوبرنيكس وغيرهما ، أو ذلك الذي أخرجت الكنيسة عظامه من القبر لتنفذ فيه حكم الحرق بالنار ـ من باب التمسك بالرأي والترويع ـ لأدركنا أبعاد عبارة الأب لوازى حينما وصف تلك المواقف الكنسية المتعصبة بعبارة " الإرهاب الأسود " ، ولأدركنا أن تكرارك لعبارات من قبيل " حضارة المحبة " أو " إن هذه الوثائق الباباوية تنير الطريق " هي جد عبارات بعيدة عن الواقع ولا تؤدي إلا إلي إبتسامة مريرة ، يشوبها الإستغراب و التعجب ..

فمن أجل ما أشرنا إليه وبسببه اندلعت الثورة الفرنسية من ضمن ما اندلعت من أجله وقامت بذبح مئات القساوسة ، ومن أجل ذلك أيضا وبسببه قامت بفصل الدين عن الدولة ، أيام نابليون ، ثم عادت و كررته ثانية سنة 1905 ..

أما معركة الأصولية والحداثة التى سادت مطلع القرن العشرين ، بعد أن تزايدت الهوة بين الكنيسة والتقدم العلمي بعامة والتقدم فى علم اللغويات بخاصة ، فقد طالب علمؤها بمطلبين أساسيين : تنقية النصوص الإنجيلية والدينية من كل ما بها من معطيات لم تعد تتمشى مع العلم ، وتنقيتها من كل ما بها من تناقضات لم يعد الأتباع يقبلونها ، كما طالبوا الكنيسة بإظهار إنجيل يسوع المكتوب بالأرامية ، ولا يسع المجال هنا لمزيد من التفاصيل لكننا نشير بمناسبة هذا لمطلب الثاني الخاص بإنجيل يسوع ، تلك الآية الكريمة التى تقول "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه" ( 47 / المائدة) ، "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون " ( 45 / المائدة ) .

وهنا لي اقتراح كأخت لك فى الوطن ، وزميلة لك فى اللقب ، وعلى دراية بقدر لا بأس بها بما تعرفه أنت بالتفصيل ، وتعاني من بعض ما تعاني أنت منه من هموم وأحزان تشوب الإخوة فى الأسرة الواحدة وفى الوطن الواحد ولا ترضى لك أن تكون من الظالمين.. تُرى ماذا لو استعنت بمهنتك ومكانتك اللاهوتية الرفيعة وعملت على إظهار الإنجيل الأصلي للسيد المسيح عليه السلام ، لتقيم المسيحية الحقيقية التى كان عليها ونادي بها ؟! ألا يقول بولس فى رسالته إلى أهل رومية : " و أنا أعلم إنى إذا جئت إليكم سأجىء فى ملء بركة إنجيل المسيح" ( 15 : 29 ) و لم تكن الأناجيل الحالية قد كتبت بعد ..

وبذلك يلتئم شمل الإخوة المتناحرون فى الكنيسة ، ويلتئم شمل الأسرة فى الوطن العربي، لنعيش فى محبة حقيقية ونضرب مثلا حيا للتعصب الغربي ولكل ما يفرضه علينا وعلى العالم من قهر واستبداد ، فالإسلام لا يفرض نفسه على أحد ، فلا إكراه فى الدين ، وكل المطلوب منا نحن معشر البشر أن ندرك أن لا إله إلا الله ، وأن موسى وعيسى ومحمد رسل الله .

وما أقترحه ليس بغريب فالأناجيل الحالية لا تزال تحمل بعض الآيات التى يفرق فيها عيسى عليه السلام بينه وبين الله عز وجل ، ويفرق بينه وبين الروح القدس ، ويقول أنه يبشر بإنجيله .. وذلك هو الإنجيل الذى أوحاه إليه سبحانه وتعالى ، وذلك هو الإنجيل الذى نؤمن به نحن المسلمون، ككتاب منزّل من عند الله ، و ليست الأناجيل الحالية التى تحاول لجنة الحوار تمريرها على أنها هى التى يشير إليها القرآن و بالتالى تفرض علينا الإيمان بها !



وتبقي نقطة الحوار .. ولعلك بحكم المهنة الكهنوتية أدرى منى بمعنى الحوار وأبعاده ، لكنني أوضح باختصار شديد ، حتى يكون القارئ على بيّنة : فمبدأ الحوار كان من ضمن قرارات مجمع الفاتيكان الثاني سنة 1965 ، والذى بادر بانشاء لجنة للحوار مع الديانات غير المسيحية وخاصة مع الإسلام ، وإذا ما طالعنا كافة الإصدارات الكنيسة منذ ذلك الوقت تحديدا وحتى يومنا هذا ، وإذا ما طالعنا تعريف الأسقف فرانسيس أرنزى ، رئيس لجنة الحوار بالفاتيكان ، مرورا بالعديد من الخطب الرسولية وخاصة "رسالة الفادي " الصادرة فى ديسمبر 1990 ، أو خطاب "حوار وتبشير" الصادر فى 20/12/1991، وهو كما يقول العنوان الفرعي ، عبارة عن "تأملات وتوجيهات متعلقة بالحوار بين الأديان والتبشير بالانجيل " ، إضافة إلى كل ما يكتبونه كتوجيه للمبشرين أنفسهم ، لوجدنا عبارة واحدة تتكرر بتنويعات متعددة تقول تحديدا: " أن الحوار يعنى فرض الإرتداد وقبول سر المسيح" ، و "أن الحوار يستخدم كوسيلة لكسب الوقت حتى تتم عملية التنصير " ، كما يتم تكرار عبارة تحميل مسئولية الحوار والتبشير على كافة الكنائس المحلية ، وعلى كافة أتباعها بوسائل مختلفة، وذلك " من أجل غرس الإنجيل فى الثقافات المختلفة للشعوب"!!.. و ياله من خداع لما يفرضه على الأقليات المسيحية من نفاق فى تعاملها مع المسلمين..

وقد سبق للبابا أن حدد فى "رسالة الفادي " فى البند رقم 55 ، "أن الحوار بين الأديان يمثل جزءا من الرسالة التبشيرية للكنيسة ، فالحوار هو الطريق الى الملكوت ".. ومن أهم المجالات التى حددها البابا يوحنا بولس الثاني لاستخدامها فى مجال التبشير : مجال السياحة ، والوظائف المهنية التى يشغلها المسيحيون ، والتصدي للمهاجرين – وخاصة المسلمون فى فرنسا، "الذين يمثلون تحديا للكنيسة" فى نظره ، واستخدام الحياة الدولية بمجالاتها المختلفة كالسياسة والإقتصاد والمواصلات الخ (رسالة الكنيسة ) العدد رقم 91 ، وذلك لمواصلة عملية التبشير حتى يتم تحقيق خطة كان يأمل نيافته أن تتم عشية الألفية الثالثة بتنصير العالم باسره – وفقا لما تم ترتيبه فى مجمع فاتيكان الثانى عام 1965 ، وهو ما أدى إلى إختلاق مسرحية "11 سبتمبر" للتلفع بالشرعية الدولية و القيام بتلك المجازر الدائرة ضد المسلمين ..



لذلك لا يسعني إلا أن أقول لك أيها الأخ فى الوطن وفى المعاناة من كل ما يُفرض على البشرية من صراع ، أن تعمل أنت وزملاؤك على استبعاد هذا "التطرف الإرهابي الاسود " على حد قول الأب لوازي ، بدلا من الانسياق معه و فى ركابه جهلا أو عن عمد … ذلك الإرهاب الأسود المتعصب ، الهادف إلى تنصير العالم بأية وسيلة وبأي ثمن ، حتى بالكذب و النفاق ، و اقتلاع مختلف الحضارات غير المسيحية ..

ليتنا نهتم بالمشاكل الإنسانية الحقيقية التى حاقت بكوكب الأرض و سكانه ، ليتنا نهتم بعمارتها بدلا من خرابها و تدميرها ، لنحيا جميعا فى علاقة انسانية تكاملية ، وليست علاقة استعمارية متعنته كاسحة للآخر ، الذى هو الإسلام والمسلمين

غير معرف يقول...

لشيخ عبد الحليم محمود.. مواقف شيخ أزهر

تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في ظروف بالغة الحرج، وذلك بعد مرور أكثر من 10 سنوات على صدور قانون الأزهر سنة (1381هـ = 1961م) الذي توسع في التعليم المدني ومعاهده العليا، وألغى جماعة كبار العلماء، وقلص سلطات شيخ الأزهر، وغلّ يده في إدارة شئونه، وأعطاها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، وهو الأمر الذي عجّل بصدام عنيف بين محمود شلتوت شيخ الأزهر الذي صدر القانون في عهده وبين تلميذه الدكتور محمد البهي الذي كان يتولى منصب وزارة الأوقاف، وفشلت محاولات الشيخ الجليل في استرداد سلطاته، وإصلاح الأوضاع المقلوبة.

ولم يكن أكثر الناس تفاؤلا يتوقع للشيخ عبد الحليم محمود أن يحقق هذا النجاح الذي حققه في إدارة الأزهر، فيسترد للمشيخة مكانتها ومهابتها، ويتوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية على نحو غير مسبوق، ويجعل للأزهر رأيا وبيانا في كل موقف وقضية، حيث أعانه على ذلك صفاء نفس ونفاذ روح، واستشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، وثقة في الله عالية، جعلته يتخطى العقبات ويذلل الصعاب.

رحلة حياة
ولد عبد الحليم محمود في قرية أبو الحمد من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية في (2 من جمادى الأولى سنة 1328هـ = 12من مايو 1910م)، ونشأ في أسرة كريمة مشهورة بالصلاح والتقوى، وكان أبوه ممن تعلم بالأزهر لكنه لم يكمل دراسته فيه.

بعد أن أكمل الصبي حفظ القرآن الكريم التحق بالأزهر، وحصل على الشهادة العالمية سنة (1351هـ = 1932م) ثم سافر على نفقته الخاصة لاستكمال تعليمه العالي في باريس، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراة في التصوف الإسلامي، عن الحارث المحاسبي في سنة (1359هـ = 1940م).

وبعد عودته إلى مصر عمل مدرسا لعلم النفس بكلية اللغة العربية، وتدرج في مناصبها العلمية حتى عين عميدا للكلية سنة (1384هـ = 1964م) ثم اختير عضوا في مجمع البحوث الإسلامية، ثم أمينا عاما له، ثم اختير وكيلا للأزهر سنة (1390هـ = 1970م) ثم وزيرا للأوقاف وشئون الأزهر.

وللشيخ أكثر من 60 مؤلفا في التصوف والفلسفة، بعضها بالفرنسية، ومن أشهر كتبه: أوربا والإسلام، والتوحيد الخالص أو الإسلام والعقل، وأسرار العبادات في الإسلام، والتفكير الفلسفي في الإسلام، والقرآن والنبي، والمدرسة الشاذلية الحديثة وإمامها أبو الحسن الشاذلي.

إرهاصات الإصلاح
بدت بوادر الإصلاح واضحة في سلوك الشيخ عبد الحليم محمود بعد توليه أمانة مجمع البحوث الإسلامية الذي حل محل جماعة كبار العلماء، فبدأ بتكوين الجهاز الفني والإداري للمجمع من خيار رجال الأزهر، وتجهيزه بمكتبة علمية ضخمة استغل في تكوينها صداقاته وصلاته بكبار المؤلفين والباحثين وأصحاب المروءات.

وعمل الشيخ على توفير الكفايات العلمية التي تتلاءم ورسالة المجمع العالمية، وفي عهده تم عقد مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وتوالى انعقاده بانتظام، كما أقنع المسئولين بتخصيص قطعة أرض فسيحة بمدينة نصر لتضم المجمع وأجهزته العلمية والإدارية، ثم عني بمكتبة الأزهر الكبرى، ونجح في تخصيص قطعة أرض مجاورة للأزهر لتقام عليها.

وأثناء توليه لوزارة الأوقاف عني بالمساجد عناية كبيرة، فأنشأ عددا منها، وضم عددا كبيرا من المساجد الأهلية، وجدد المساجد التاريخية الكبرى مثل جامع عمرو بن العاص أقدم المساجد في إفريقيا، وأوكل الخطبة فيه إلى الشيخ محمد الغزالي فدبت فيه الروح، وعادت إليه الحياة بعد أن اغتالته يد الإهمال، وتدفقت إليه الجماهير من كل صوب وحدب، وأنشأ بمساجد الوزارة فصولا للتقوية ينتفع بها طلاب الشهادتين الإعدادية والثانوية جذبت آلافا من الطلاب إلى المساجد وربطتهم بشعائر دينهم الحنيف.

ورأى أن للوزارة أوقافا ضخمة تدر ملايين الجنيهات أخذها الإصلاح الزراعي لإدارتها لحساب الوزارة، فلم تعد تدر إلا القليل، فاستردها من وزارة الإصلاح الزراعي، وأنشأ هيئة كبرى لإدارة هذه الأوقاف لتدر خيراتها من جديد، وعلم أن هناك أوقافا عدت عليها يد الغصب أو النسيان، فعمل على استرداد المغتصب، وإصلاح الخرب.

استعادة هيبة الأزهر وشيخه
صدر قرار تعيين الشيخ عبد الحليم محمود شيخا للأزهر في (22 من صفر 1393هـ = 27 من مارس 1973م)، وكان هذا هو المكان الطبيعي الذي أعدته المقادير له، وما كاد الشيخ يمارس أعباء منصبه وينهض بدوره على خير وجه حتى بوغت بصدور قرار جديد من رئيس الجمهورية في (17 من جمادى الآخرة 1394هـ= 7 من يوليو 1974م) يكاد يجرد شيخ الأزهر مما تبقى له من اختصاصات ويمنحها لوزير الأوقاف والأزهر، وما كان من الشيخ إلا أن قدم استقالته لرئيس الجمهورية على الفور، معتبرا أن هذا القرار يغض من قدر المنصب الجليل ويعوقه عن أداء رسالته الروحية في مصر والعالم العربي والإسلامي.

روجع الإمام في أمر استقالته، وتدخل الحكماء لإثنائه عن قراره، لكن الشيخ أصر على استقالته، وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه، ورفض تناول راتبه، وطلب تسوية معاشه، وأحدثت هذه الاستقالة دويا هائلا في مصر وسائر أنحاء العالم الإسلامي، وتقدم أحد المحامين الغيورين برفع دعوى حسبة أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية ووزير الأوقاف، طالبا وقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية.

وإزاء هذا الموقف الملتهب اضطر أنور السادات إلى معاودة النظر في قراره ودراسة المشكلة من جديد، وأصدر قرارا أعاد فيه الأمر إلى نصابه، جاء فيه: شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كل ما يتصل بالشئون الدينية والمشتغلين بالقرآن وعلوم الإسلام، وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسات الإسلامية والعربية في الأزهر.

وتضمن القرار أن يعامل شيخ الأزهر معاملة الوزير من حيث المرتب والمعاش، ويكون ترتيبه في الأسبقية قبل الوزراء مباشرة، وانتهت الأزمة وعاد الشيخ إلى منصبه ليواصل جهاده. وجدير بالذكر أن قرارا جمهوريا صدر بعد وفاة الشيخ بمساواة منصب شيخ الأزهر بمنصب رئيس الوزراء.

مسئولية شيخ الأزهر
كان الشيخ عبد الحليم يدرك خطورة منصبه، وأنه مسئول عن القضايا التي تتعلق بالمسلمين، وأنه لا ينتظر من أحد توجيها إلى النظر في بعض القضايا وغض النظر عن بعضها، فكان للأزهر في عهده رأي ومقال في كل قضية وموضوع يتعلق بأمر المسلمين، فتصدى لقانون الأحوال الشخصية الذي حاولت الدكتورة عائشة راتب إصداره دون الرجوع إلى الأزهر، وحرصت على إقراره من مجلس الشعب على وجه السرعة، وكان هذا القانون قد تضمن قيودا على حقوق الزوج على خلاف ما قررته الشريعة الإسلامية.

ولما علم الإمام الأكبر بهذا القانون أصدر بيانا قويا حذر فيه من الخروج على تعاليم الإسلام، وأرسله إلى جميع المسئولين وأعضاء مجلس الشعب وإلى الصحف، ولم ينتظر صدور القانون بل وقف في وجهه قبل أن يرى النور، لكن بيان الشيخ تآمرت عليه قوى الظلام فصدرت التعليمات إلى الصحف بالامتناع عن نشره، واجتمعت الحكومة للنظر في بيان الشيخ عبد الحليم محمود، ولم تجد مفرا من الإعلان عن أنه ليس هناك تفكير على الإطلاق في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وبذلك نجح الإمام في قتل القانون في مهده.

الكتب الدينية المشتركة
اقترح البابا شنودة بطريرك الأقباط في مصر تأليف كتب دينية مشتركة ليدرسها الطلبة المسلمون والمسيحيون جميعا في المدارس، مبررا ذلك بتعميق الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة، وتقوية الروابط بينهما.

لقي هذا الاقتراح قبولا بين كبار المسئولين، وزار الدكتور مصطفى حلمي وزير التربية والتعليم آنذاك الإمام الأكبر ليستطلع رأيه في هذا الاقتراح، لكن الشيخ الغيور واجه الوزير بغضبة شديدة قائلا له: من آذنك بهذا، ومن الذي طلبه منك، إن مثل هذه الفكرة إذا طلبت فإنما توجه إلينا من كبار المسئولين مباشرة، ويوم يطلب منا مثل هذه الكتب فلن يكون ردي عليها سوى الاستقالة.

وما كان من الوزير إلا أن استرضى الشيخ الغاضب وقدم اعتذارا له قائلا له: إنني ما جئت إلا لأستطلع رأي فضيلتكم وأعرف حكم الدين، ويوم أن تقدم استقالتك لهذا السبب فسأقدم استقالتي بعدك مباشرة.

المحاكم العسكرية غير مؤهلة
ومن مواقف الشيخ الشجاعة ما أبداه تجاه المحكمة العسكرية التي تصدت للحكم في قضية جماعة التكفير والهجرة المصرية، وكانت المحكمة قد استعانت بعدد من علماء الأزهر لإبداء الرأي في فكر هذه الجماعة، غير أن المحكمة لم تسترح لرأيهم، وكررت ذلك أكثر من مرة، وكانت في عجلة من أمرها؛ الأمر الذي جعلها تصدر أحكاما دون استئناس برأي الأزهر.

ولم تكتف هذه المحكمة بذلك بل تضمن حكمها هجوما على الأزهر وعلمائه، وقالت: إنه كان على المسئولين عن الدعوة الدينية أن يتعهدوا الأفكار بالبحث والتدبر بدلا من إهمالها وعدم الاعتناء بمجرد بحثها.

ولمزت المحكمة علماء الأزهر بقولها: "وواأسفا على إسلام ينزوي فيه رجال الدين في كل ركن هاربين متهربين من أداء رسالتهم أو الإفصاح عن رأيهم أو إبداء حكم الدين فيما يعرض عليهم من أمور، فلا هم أدوا رسالتهم وأعلنوا كلمة الحق، ولا هم تركوا أماكنهم لمن يقدر على أداء الرسالة".

وكانت كلمات المحكمة قاسية وغير مسئولة وتفتقد إلى الموضوعية والأمانة، وهو ما أغضب الإمام الأكبر لهذا الهجوم العنيف، فأصدر بيانا امتنعت معظم الصحف اليومية عن نشره، ولم تنشره سوى صحيفة الأحرار.

وفي هذا البيان اتهم عبد الحليم محمود المحكمة بالتعجل وعدم التثبت، وأنها لم تكن مؤهلة للحكم على هذا الفكر، وأنها تجهل الموضوع الذي تصدرت لمعالجته، وكان يجب عليها أن تضم قضاة شرعيين يقفون موقفها ويشاركونها المسئولية ويتمكنون من الاطلاع على جميع ظروف القضية ونواحيها فيتمكنون من إصدار الحكم الصحيح.

واتهم الإمام المحكمة بأنها لم تمكن علماء الأزهر من الاطلاع على آراء هذا التنظيم أو الاستماع إلى شرح من أصحابه، والاطلاع على كافة الظروف التي أدت بهم إلى هذا الفكر، واكتفت بأن عرضت عليهم المحضر الذي سجلته النيابة من أقوال ومناقشات، وهذا لا يرقى أن يكون مصدرا كافيا يقوم عليه بحث العلماء، أو أساسا متكاملا تصدر عليه أحكام.

التوسع في إنشاء المعاهد الأزهرية
تولى الشيخ عبد الحليم محمود مشيخة الأزهر في وقت اشتدت فيه الحاجة لإقامة قاعدة عريضة من المعاهد الدينية التي تقلص عددها وعجزت عن إمداد جامعة الأزهر بكلياتها العشرين بأعداد كافية من الطلاب، وهو الأمر الذي جعل جامعة الأزهر تستقبل أعدادا كبيرة من حملة الثانوية العامة بالمدارس، وهم لا يتزودون بثقافة دينية وعربية تؤهلهم أن يكونوا حماة الإسلام.

وأدرك الشيخ خطورة هذا الموقف فجاب القرى والمدن يدعو الناس للتبرع لإنشاء المعاهد الدينية، فلبى الناس دعوته وأقبلوا عليه متبرعين، ولم تكن ميزانية الأزهر تسمح بتحقيق آمال الشيخ في التوسع في التعليم الأزهري، فكفاه الناس مئونة ذلك، وكان لصلاته العميقة بالحكام وذوي النفوذ والتأثير وثقة الناس فيه أثر في تحقيق ما يصبو إليه، فزادت المعاهد في عهده على نحو لم يعرفه الأزهر من قبل.

تطبيق الشريعة الإسلامية
ومن أهم دعوات الشيخ دعوته إلى تطبيق الشريعة الإسلامية من ميادين الجهاد التي خاضها في صبر وجلد داعيا وخطيبا ومحاضرا ومخاطبا المسئولين في البلاد، فكتب إلى كل من سيد مرعي رئيس مجلس الشعب، وممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء يطالبهما بالإسراع في تطبيق الشريعة الإسلامية، ويقول لهمها: "لقد آن الأوان لإرواء الأشواق الظامئة في القلوب إلى وضع شريعة الله بيننا في موضعها الصحيح ليبدلنا الله بعسرنا يسرا وبخوفنا أمنا...".

ولم يكتف الإمام الأكبر بإلقاء الخطب والمحاضرات وإذاعة الأحاديث، بل سلك سبيل الجهاد العلمي، فكون لجنة بمجمع البحوث الإسلامية لتقنين الشريعة الإسلامية في صيغة مواد قانونية تسهل استخراج الأحكام الفقهية على غرار القوانين الوضعية، فأتمت اللجنة تقنين القانون المدني كله في كل مذهب من المذاهب الأربعة.

الاهتمام بأمور المسلمين
كان الشيخ عبد الحليم محمود يستشعر أنه إمام المسلمين في كل أنحاء العالم، وأنه مسئول عن قضاياهم، وكان هؤلاء ينظرون إليه نظرة تقدير وإعجاب، فهم يعتبرونه رمز الإسلام وزعيم المسلمين الروحي، ولهذا كان يخفق قلب الإمام لكل مشكلة تحدث في العالم الإسلامي، ويتجاوب مع كل أزمة تلمّ ببلد إسلامي.

فقد أصدر بيانا بشأن الأحداث الدامية والحرب الأهلية في لبنان، دعا الأطراف المتنازعة من المسلمين والمسيحيين إلى التوقف عن إراقة الدماء وتخريب معالم الحياة، وأهاب بزعماء العرب والمسلمين إلى المسارعة في معاونة لبنان على الخروج من أزمته، وفاء بحق الإسلام وحق الأخوة الوطنية والإنسانية، وقياما ببعض تبعات الزعامة والقيادة التي هي أمانة الله في أعناقهم.

ولم يكتف الشيخ بذلك بل أرسل برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية يناشده العمل بحسم وعزم على وقف النزيف الدموي الذي أسالته المؤامرات المعادية على أرض لبنان.

الأزمة المغربية الجزائرية
قامت أزمة عنيفة بين المغرب والجزائر بشأن مشكلة الصحراء الغريبة التي كانت أسبانيا تحتلها، وأدى الخلاف بينهما إلى مناوشات حربية كادت تتحول إلى حرب عنيفة.

ولما علم الإمام بأخبار هذه التحركات سارع إلى إرسال برقية إلى كل من ملك المغرب ورئيس الجزائر، دعاهما إلى التغلب على نوازع الخلاف وعوامل الشقاق والفرقة، وأن يبادرا بتسوية مشكلاتهما وموضوعات الخلاف بينهما بالتفاهم الأخوي والأسلوب الحكيم، وناشدهما باسم الإسلام أن يلقيا السلاح وأن يحتكما إلى كتاب الله.

وأرسل في الوقت نفسه برقية إلى الرئيس السادات يرجوه التدخل للصلح بين القطرين الشقيقين، جاء فيها: "تتعلق بزعامتكم قلوب المسلمين من العرب والمسلمين الذين ينتظرون مساعيكم الحميدة في إصلاح ذات البين بمناسبة الصدام المسلح المؤسف بين البلدين الشقيقين الجزائر والمغرب".

وقد رد السادات على برقية شيخ الأزهر ببرقية يخبره فيه بمساعيه للصلح بين الطرفين جاء فيها: "تلقيت بالتقدير برقيتكم بشأن المساعي لحل الأزمة بين الجزائر والمغرب، وأود أن أؤكد لكم أن مصر تقوم بواجبها القومي من أجل مصالح العرب والمسلمين، وما زال السيد محمد حسني مبارك نائب الرئيس يقوم بمهمته المكلف بها، أرجو الله عز وجل أن يكلل جهوده بالنجاح والتوفيق...".

وفي الوقت نفسه أرسل برقية إلى خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة السعودية آنذاك يدعوه للتدخل إلى حقن الماء بين الشقيقين وفض النزاع بينهما، وقد أحدثت هذه البرقيات أصداء قوية، وكانت عاملا في هدوء الحالة بين الدولتين الشقيقتين.

وفاة الشيخ
لقد كانت حياة الشيخ عبد الحليم محمود جهادا متصلا وإحساسا بالمسئولية التي يحملها على عاتقه، فلم يركن إلى اللقب الكبير الذي يحمله، أو إلى جلال المنصب الذي يتقلده، فتحرك في كل مكان يرجو فيه خدمة الإسلام والمسلمين، وأحس الناس فيه بقوة الإيمان وصدق النفس، فكان يقابل مقابلة الملوك والرؤساء، بل أكثر من ذلك؛ حيث كانت الجموع المحتشدة التي هرعت لاستقباله في الهند وباكستان وماليزيا وإيران والمغرب وغيرها تخرج عن حب وطواعية لا عن سوق وحشد وإرهاب.

وفي ظل هذا النشاط الجم والرحلات المتتابعة لتفقد المسلمين شعر بآلام شديدة بعد عودته من الأراضي المقدسة فأجرى عملية جراحية لقي الله بعدها في صبيحة يوم الثلاثاء الموافق (15 من ذي القعدة 1397هـ = 17من أكتوبر 1978م) تاركا ذكرى طيبة ونموذجا لما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر

غير معرف يقول...

كانت الكنيسة الأرثوذكسية قد دعت الجمعية الدولية لتنظيم المؤتمر في القاهرة هذا العام، وحملت جلسات المؤتمر مشاكل بعض الأديرة المصرية، والحلول الخاصة بها.
وحضر المؤتمر كما جاء في أوراق التسجيل 250 من العلماء المصريين و الأجانب المتخصصين والمهتمين بالدراسات القبطية والتاريخ القبطي وبحضارة مصر القبطية.
وتناولت المحاضرات والأبحاث والأوراق في المؤتمر عددا كبيرا من المحاور المتعلقة بالحقبة القبطية مثل الأديرة القبطية وتاريخها، الكتابات القبطية الأولى، التحول من اللغة القبطية إلى اللغة العربية، المسيحية في العصور الوسطى في مصر، الأنبا شنودة رئيس المتوحدين، الأناجيل المكتوبة باللغة القبطية، المنسوجات القبطية، الحفريات للآثار القبطي ,ونرجو من العلماء ايضا مناقشة أخر وسائل التعذيب في الاديرة المصرية لمن يسلم من النصاري او من يعارض البابا واخرها جثامين "وفاء" و"ماري" وغيرهن كثير ويعرض العلماء الالات الحديثة لنزع الاظافر وشد العظام وألات الصعق الكهربي وغيرها..الخ